للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضعُف الأمَّةُ في زمنٍ فتحتاجُ إلى إنزالِ عدوِّها على عهدٍ وسَلَامٍ، ويأبى العدوُّ إلَّا السلامَ الدائمَ ليأمَنَ، وإنْ لم يقَعْ فيتربَّصُ بالمُسلِمينَ بما لا طاقةَ لهم به، فيصحُّ هذا في أُمَّةٍ دون أُمَّةٍ، لا في كلِّ الأمم؛ لأنَّه في كلِّ الأممِ إلغاءٌ لأصلِ التشريعِ.

ديمومةُ الجهادِ:

وقد أخبَرَ اللهُ بديمومةِ الجهادِ في الأُمَّةِ؛ كما جاء على لسانِ نبيِّه ؛ قال: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمِّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الحَقِّ ظَاهِرينَ إلى يَوْمِ الْقِيَامَة، قَالَ: فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فيَقُولُ: لَا؛ إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الأُمَّةَ)؛ أخرَجَهُ مسلمٌ من حديثِ جابرٍ (١)، وبنحوِه عندَه عن معاويةَ (٢)، وأخرَجَهُ البخاريُّ مِن حديثِ المغيرةِ (٣)، وترجَمَ عليه بهذا المعنى (٤).

وقد تقدَّمَ في سورةِ البقرةِ الكلامُ على الجهادِ وأنواعِهِ وديمومتِهِ في مواضعَ منها، وإنَّما كانتِ الإشارةُ إلى هذا المعنى في هذه الآيةِ؛ لأنَّ اللهَ قَرَنَ الجهادَ بتَقْوَاهُ، وجعَلَه مع التقوى والعملِ الصالحِ شرطًا للفلَاح، والفلاحُ مطلوبٌ للأمَّةِ في كلِّ زمانٍ، ومتى زال الشرطُ أو نَقَصَ، زالَ فلاحُها أو نَقَصَ، وزوالُ فلاحِ الأمَّةِ لا يعني زوالَ فلاح الأفرادِ؛ لأنَّ الجهادَ شريعةُ أمَّةٍ، وزوالُ أو نقصانُ فرائضِ الإمامِ والأمَّةِ يجعلُ الأثرَ على حالِ الأمَّةِ العامِّ وحالِ إمامِها، فتُسلَبُ الفلاحَ، ويكونُ الفلاحُ في أفرادَها موجودًا؛ لقيامِ العجزِ فيهم.

* * *


(١) أخرجه مسلم (١٥٦) (١/ ١٣٧).
(٢) أخرجه مسلم (١٠٣٧) (٣/ ١٥٢٤).
(٣) أخرجه البخاري (٧٣١١) (٩/ ١٠١).
(٤) "صحيح البخاري" (٩/ ١٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>