للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على حِلِّها وحِلِّ التصرُّفِ بها، فما جازَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَطعَمَهُ ويُدخِلَهُ في جَوْفِهِ لحِلِّه، جازَتْ عِمَارة المساجدِ به مِن بابِ أَولى؛ وذلك أنَّ مِثْلَ هذه العطيَّةِ والهديَّةِ لا سُلْطانَ للكافرِ بها على المؤمنينَ؛ بل هي مِن تأليفِ قلبِهِ ودفعِ شرِّه، وكفايةٌ للمؤمنينَ.

* * *

قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة: ١٩].

ذكَر اللهُ ضلالَ قريشٍ وجَهْلَهم، باختلالِ أولويَّاتِهم، فأَغْراهُم الشيطانُ بأعمالٍ صالحةٍ يَفعَلونَها لِتَستُرَ على نفوسِهم شِرْكَهم وكُفْرَهم بالله، فاغتَرُّوا بسِقايةِ الحاجِّ وبناءِ الكعبةِ وتَشْييدِها؛ وهذا القَدْرُ مِن التلبيسِ يَلحَقُ كثيرًا مِن الناسِ؛ إذْ يقَعُ في حَبَائِلِ الشِّرْك، ويقومُ بعملٍ صالحٍ؛ مِن صِلَةِ رحمٍ، وإطعامٍ وسقايةٍ، وكفالةِ يتيمٍ وأَرْمَلَةٍ، فيَظُنُّ أنه على خيرٍ وحقٍّ، وكلُّ أعمالِه تلك لا يَقبَلُها اللهُ ولا يُثيبُهُ عليها في الآخِرةِ؛ كما تقدَّمَ بيانُ ذلك مِرارًا؛ منها عندَ قولِ اللهِ تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران: ١١٧].

خطَرُ الجَهْلِ بمَرَاتِبِ الأعمالِ:

واختلالُ مراتبِ العملِ الصالحِ عندَ الكافرِ والمسلمِ يَغُرُّهُ وَيستدرِجُهُ في الغيِّ والباطلِ:

أمَّا الكافِرُ: فيَغترُّ بكُفْرِهِ ويُسلِّيهِ ما يَعمَلُهُ مِن عملٍ صالحٍ في الظاهر، ولا يَجِدُ منه في الآخرةِ شيئًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>