بالأمانِ على أنفُسِهم؛ حتَّى لا يَكِيدُوا بالمؤمنينَ؛ فإنَّ الاحتواءَ وعدمَ الاستعداءِ سياسةٌ نبويَّةٌ، لا تُناقِضُ عقيدةَ الوَلَاءِ والبَراءِ.
وظاهرُ قولِه تعالى: ﴿أَنْفِقُوا طَوْعًا﴾ إشارةٌ إلى النَّفَقةِ عندَ رجاءِ المصلَحةِ والنفعِ وظهورِ اليدِ وعُلُوِّها على المؤمِنِينَ، فإنْ رجَوْا ذلك، أنفَقُوا بنفسٍ طيِّبةٍ، وقولُهُ: ﴿أَو كَرْهًا﴾ إشارةٌ إلى أصلِ إنفاقِهم، وهو عندَ نفعِ المؤمنينَ بمالِهم وعلوِّ الإسلامِ به، ولا حَظَّ لهم فيه؛ فإنَّهم لا يُنفِقونَ إلَّا وهم كارِهونَ؛ لأنَّ إيمانَهُمْ بثوابِ الآخِرةِ ضعيفٌ أو معدومٌ.
ثوابُ الكافرِ على أعمالِهِ الحَسَنةِ في الدُّنْيا:
ولا خِلافَ عندَ العلماءِ: أنَّ الكافرَ لا تَنفعُهُ نفقتُهُ في الآخِرة، بل لا يَنتفِعُ بشيءٍ مِن عمَلِه الصالحِ في الدُّنيا، وقد بيَّن اللهُ بعدَ ذلك: أنَّ سببَ عدمِ قَبُولِ نفقةِ أولئك المنافِقينَ هو كُفْرُهم الباطنُ باللهِ؛ كما قال تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ﴾ [التوبة: ٥٤]، وفي مسلمٍ؛ مِن حديثِ عائشةَ؛ قالتْ: يَا رَسُولَ الله، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ المِسْكِينَ؛ فَهَل ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ:(لَا يَنْفَعُهُ؛ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ)(١).
واللهُ عَدْلٌ لا يَظلِمُ الناسَ شيئًا، فإنْ كان للكافرِ حَسَنةٌ في الدُّنيا، عَجَّلَها له، فيَنتفِعُ منها في دُنْياه، حتَّى إذا كان في الآخِرة، لم يَجِدْ مِن ذلك شيئًا، فإمَّا أنْ تكونَ مُجازاتُهُ العاجِلةُ باطِنةً؛ فيَجِدُ لها لذَّةً ونعيمًا نفسيًّا، أو ظاهرةً؛ فيُنعَّمُ في الدُّنيا بالمآكِلِ والمَشارِبِ والملابسِ والذُّرِّيَّةِ والزَّوْجاتِ وغيرِ ذلك.