للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وممَّا وقَعُوا فيه مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ: أخذُ العُشُورِ مِن أموالِ الناسِ؛ فيَقِفُونَ في الطُّرُقاتِ ويأخُذونَ مِن كلِّ صاحبِ مالٍ عُشْرَ مالِه أو نحوَهُ بغيرِ حقٍّ، ويحذِّرونَ في طُرُقاتِهم مِن شُعَيْبٍ، ويتهمُونَهُ بالكذب، لينفِرَ الناسُ منه؛ كما قال في هذه الآيةِ: ﴿وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

المكوسُ والضرائب:

ويدخُلُ في حُكمِ ما فعَلَهُ قومُ شعيبٍ: المُكُوسُ المأخوذةُ على التُّجَّارِ وأهلِ الأموال، والمكوسُ هي الأموالُ المضروبةُ على الأموالِ بلا حقّ، وهي عظيمةٌ دَلَّ الدليلُ على كونِها أعظَمَ مِن الزِّنى، ولمَّا رجَمَ النبيُّ امرأةً في الزِّنى، قال: "لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكسٍ لَغُفِرَ لَهُ" (١).

وإنَّما كانتِ المكوسَ أعظَمَ مِن الزِّنى مع عظَمةِ الزِّنى وكونِهِ مِن المُوبِقاتِ؛ لأنَّ المكوسَ تتضمَّنُ حقَّ المخلوقينَ مع حقِّ الله، ولكونِها إفسادًا في الأرض، وهي مِن جنسِ المحارَبةِ وإن لم يكنْ فيها قطعُ طريقٍ، وهذا قد يكونَ أعظَمَ وأشَدَّ ممَّا لو كان معه قطعُ طريقٍ؛ لأنَّ قطعَ الطريقِ يُتَّقَى بالسَّيْرِ نهارًا وبرُفْقةٍ، ويفعَلُهُ الناسُ خُفيةً مع علمٍ بتحريمِه، وأمَّا المكوسُ، فتؤخذُ مع إظهارِ حِلِّها وكَوْنِها حقًّا لآخِذِها، وهذا محادَّةٌ للهِ أعظَمُ مِن عِصيانِهِ مع الإقرارِ بالمعصية، وارتكابُ الصغائرِ مع تشريعِها ونسبتِها للهِ أعظَمُ مِن ارتكابِ الكبائرِ غيرَ الشركِ مع الإقرارِ بأنَّها عِصيانٌ للهِ.

وتعدَّدَتْ أسماءُ العُشُور، فتسمَّى الخَرَاجَ والجَماركَ والمُكُوسَ والإتاوةَ والرسومَ.


(١) أخرجه مسلم (١٦٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>