الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾ قطعٌ للتوهُّمِ بأنَّ الأَكْلَ في الليلِ إنَّما هو عِندَ الغروبِ إلى العشاءِ للفِطْرِ، وقبلَ الفَجْرِ للسُّحورِ، وما بينَهُما يحرُمُ؛ وذلك لأنَّه مِن عادَتِهم أنَّهم كانُوا ينامُونَ بعدَ صلاةِ العشاءِ وقيامِها، فَإذا صَلَّوْا، لم يَأْكُلوا إلا أُكْلةَ السحورِ، فبيَّن اللهُ أنَّ وقتَ الإفطارِ هو ما بَينَ المَغرِبِ إلى الفجرِ.
وقتُ فطرِ الصائمِ:
وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أنَّ المعتبَرَ في الفِطرِ: تحقُّقُ الغروبِ وثبوتُهُ، وأنَّ مَن ثبَتَ عندَهُ ذلك، تأكَّدَ في حقِّهِ التعجيلُ ولو لم يَسمَعِ الأذانَ؛ لأنَّ الأذانَ علامةٌ على ثبوتِ الغروبِ، فالمؤذِّنُ والصائِمُ كلٌّ منهما مرتبِطٌ بِالأذانِ على السَّواءِ، ولا يُشرَعُ لمن ثبَتَ عِندَهُ الغروبُ تأخيرُ الفِطْرِ حتَّى يَسمَعَ الأذانَ.
وإنَّما أمَرَ بِالأكلِ والشربِ بعدَ بيانِ حكمِ الجِمَاعِ، مع أنَّ الأكلَ والشربَ أَظْهَرُ في إفسادِ الصيامِ؛ وذلكَ لأنَّ أمرَ الجِمَاعِ أشدُّ إشكالًا في نفوسِهم، فأزالَهُ أوَّلًا قبلَ الأكلِ والشربِ.
وقولُه: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ﴾؛ لأنَّ الأصلَ بقاءُ الليلِ، فلا ينتقِلُ منه إلا ببيَّنةٍ، فيُمسِكُ بِعلْمٍ كما بَقِيَ على عِلْمٍ، وهذا في التبيُّنِ في حالِ البقاءِ على الليلِ؛ فإنَّ التبيُّنَ في البقاءِ على الإمساكِ أَوْلَى، فلا يُفطِرُ حتَّى يتبيَّنَ الغروبَ، ومَن أفطَرَ بالظنِّ، أعادَ، ومَن أفْطَرَ باليقينِ فبَانَ أنَّه في نهارٍ، صَحَّ صِيَامُهُ؛ ولذا قالَ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾؛ أيْ: على ذلك التحرِّي والتبيُّنِ يجبُ أن يكونَ الإتْمامُ.
النية في الصومِ:
و"ثُمَّ" في عَطْفِ الجُمَلِ للتراخي في الترتيبِ، وَقد تكلَّفَ بعضُ الفقهاءِ مِن الحنفِيَّةِ كأبِي جعفرٍ الخَبَّازِ السَّمَرْقَنْدِيِّ، فاستدَلَّ بهذه الآيةِ