للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على صِحَّةِ تأخِيرِ النِّيَّةِ عنِ الفَجرِ إلى الضُّحَا؛ تدلِيلًا على صِحَّةِ مذهبِ الحنفيَّةِ، وليس هذا مِن معاني "ثُمَّ" في التراخِي في عطفِ الجُمَلِ.

والخيطُ الأبيضُ والأسوَدُ المرادُ بهِ سَوَادُ الليلِ وبياضُ النهارِ، وقد ظنَّه عَدِيٌّ أنَّه الحبْلُ من الصُّوفِ ونحوِه، وهو تفسيرٌ صحيحٌ في اللغةِ، ولكنَّه ليس بصحيحٍ في اصطلاحِ الشارعِ والشرعِ؛ صحيحٌ لغةً؛ لأنَّه نزَلَ بلُغَةِ العربِ، ولكنَّ اللُّغةَ عامَّةٌ فينزلُ القرآنُ كثيرًا على بعضِ أفرادِها، ويُعرَفُ باصطلاحِ الشارعِ المعاني الخارجةُ في اللغةِ منه.

وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى النِّيَّةِ، فتقسيمُ الحُكْمِ والزمَنِ وتفصيلُهما لا يتحقَّقُ إدراكُهُ في الإنسانِ إلَّا بحضورِ قلبٍ؛ فقد ذكَرَ محرَّماتٍ يتخلَّلُها مباحاتٌ، فالأصلُ الصيامُ، ثمَّ يتخلَّلُهُ ليلٌ يُفطِرُ فيه، وفي الليلِ يُؤكَلُ ويُشرَبُ ويُرفثُ، وينتهي ذلك إلى الفجرِ؛ لأنَّه قال: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ﴾.

ووضوحُ الخيطَيْنِ إنما يكونُ في لَحْظةٍ يسيرةٍ لدقائِقَ معدودةٍ لا يميِّزُها إلا متحَرٍّ وراصدٌ مستحضِرٌ، وهذا معنى النيةِ المقصودُ في الآيةِ، فكما أنَّه يجبُ استحضارُ النيةِ للإمساكِ إلى الليلِ، فيجبُ استحضارُ النيةِ بالفطرِ إلى الصبحِ.

وروى أهلُ السُّنَنِ، عنِ ابنِ عمرَ، عن حَفْصةَ، عن النبيِّ ؛ قال: (مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ) (١).

وقد رُوِيَ عن نافعٍ، عنِ ابنِ عُمَرَ؛ قولَهُ موقوفًا؛ وهو أصحُّ.

صوَّبَ الوقفَ البخاريُّ والترمذيُّ (٢) وأبو حاتمٍ والنَّسَائيُّ وغيرُهم.


(١) أخرجه أبو داود (٢٤٥٤) (٢/ ٣٢٩)، والترمذي (٧٣٠) (٣/ ٩٩)، والنسائي (٢٣٣١) (٤/ ١٩٦).
(٢) "سنن الترمذي" (٣/ ٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>