الكتاب، وتبعًا لذلك اختَلَفُوا في بقيَّةِ المنسوبينَ إلى كتابٍ؛ كالسَّامِرةِ وأَتْباعِ صُحُفِ إبراهيمَ والزَّبُورِ وغيرِهم.
الثاني: ذهَب أبو حنيفةَ وابنُ وهبٍ: إلى أنه يدخُلُ مع أهلِ الكتابِ جميعُ كفَّارِ العجَمِ على اختلافِ عَقائدِهم، ولو كانوا وثَنيِّينَ أو زَنادِقةً ومَلاحِدةً، وأمَّا مُشرِكو العرَب، فلا يُقبَلُ منهم إلَّا الإسلامُ أو السَّيْفُ.
الثالثُ؟ ذهَبَ الأوزاعيُّ ومالكٌ وأحمدُ: إلى أنَّ الجزيةَ تُقبَلُ مِن كلِّ كافرٍ؛ عربيٍّ أوأعجميًّ، كتابيُّ أو وثنيُّ، وقد أخَذُوا بعمومِ حديثِ بُرَيْدةَ السابقِ؛ فلم يُخصِّصْ أصحابَ مِلَّةٍ عن الأُخرى، وإنَّما جَعَلَ الأمرَ على كلِّ مَن يَلْقاهُ مِن عدوِّه.
وهذا الأظهَرُ، وتأخُّرُ نزولِ الآيةِ كان لاستئصالِ المشرِكِينَ إاخراجِهم مِن جزيرةِ العرَب، فمِثْلُهم لا يُقَرُّ فيها بحالٍ إلَّا للضَّرورة، وإقرارُ الكتاببِّينَ أخَفُّ مِن إقرارِهم.
المَجُوسُ والصابئةُ:
والحديثُ الواردُ في مُشابَهةِ المجوسِ لليهودِ والنَّصَارى إنَّما هي في الجِزْيةِ خاصَّة، ولا تَحِلُّ ذَبائحُهم ولا نكاحُ نسائِهم، وما كانتِ العربُ تَعْرِفُهُمْ بأنَّهم أهلُ كتابٍ؛ وذلك أنَّ اللهَ قال عن كفَّارِ قريشِ ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٥٥) أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ [الأنعام: ١٥٥، ١٥٦] يَعْنُونَ: اليهودَ والنَّصَارى؛ كما صَحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ وقتادةَ (١)؛ أي: يُخافُ أنْ تقولَ قريشٌ ذلك، فيَرَوْنَ أنَّ كُتُبَ اليهودِ والنصارى ليسَتْ على لُغَتِهم، ولا هم مِن قَوْمِهم، فقطَعَ اللهُ بإنزالِهِ القرآنَ بلسانٍ عربيٍّ
(١) "تفسر الطبري" (٧/ ١٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٥/ ١٤٢٥).