حُجَّتَهم، فقُرَيْشٌ كانوا يَنتَقِدُونَ أهلَ الكتابِ بعدَمِ عَمَلِهِمْ بالكتاب، وأنَّ قريشًا لو نزَلَ عليهم كتابٌ بلِسَانِهم، لآمَنُوا به، ولو بَيَّنَ لهم أخطاءَهم، لَترَكُوها وكانوا خيرًا منهم بالاتِّباعِ؛ وذلك في قولِهِ: ﴿أَو تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ [الأنعام: ١٥٧]، فذكَرَ اللهُ للطائفتَيْنِ دليلًا على أنه ليس حولَ العربِ أهلُ كتاب غيرهم، مع أن المجوسَ مَعرُوفُونَ، ولم يكونوا عندَهم أهلَ كتابٍ، فلو كانوا كذلك، لكانَتِ الطوائفُ ثلاثًا.
وكذلك: فإنَّ اللهَ تعالى لمَّا ذكَرَ الذين يَنْجُونَ يومَ القيامةِ مِن أهلِ المِلَلِ الذين ماتوا على استقامةِ دِينِهم، لم يذكُرِ المجوسَ مع أهلِ الكتاب، فقال في سورةِ البقرةِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)﴾ [البقرة: ٦٢]، ومِثلُها في سورةِ المائدة، إلَّا أنه قدَّمَ الصابِئِينَ على النصارى؟ ﴿وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى﴾ [المائدة: ٦٩]، ثم قال: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [المائدة: ٦٩]، ، وذكَر أنَّ هؤلاء قد يصدُرُ منهم عملٌ صالحٌ قبلَ العِلْمِ بالإسلام، وليس المجوسُ منهم، ولكن اللهَ لمَّا ذكَرَ الفصلَ يومَ القيامةِ بينَ الأُممِ ولم يذكُرِ النَّجَاةَ وعدَمَ الخوف، ذكَرَ المجوسَ معهم؛ كما في الحَجّ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١٧)﴾ [الحج: ١٧].
وفي أحسَنِ أحوالِ المجوسِ: فهذا يدُلُّ على أن الصابِئِينَ أحسَنُ منهم، وأقرَتُ للكتابِ المنزَّلِ مِن المجوس، والصابئةُ اليومَ موجودونَ في العِرَاقِ وَيعتقِدونَ بنُبُوَّةِ آدمَ وشِيثَ وسامِ بنِ نوح وإبراهِيمَ ويحيى، والنَّصَارَى يُسَمُّونَهم يُوحَنَّاسِيَّةً؛ (نسبةً إلى يوحنَّا، وهو يحيى)، وهم