للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طوائفُ وفِرَقٌ، وبعضُهُمْ بدَّل فأشرَكَ، وبعضهُمْ لم يُبدِّلْ وبَقِيَ على توحيدِه، وقد قال وهبُ بن مُنبِّهٍ - وهو مِن أهلِ العِلمِ بالمِلَلِ السابقةِ وأخبارِهم - لمَّا سُئِلَ عن الصابئةِ: "الذي يَعرِفُ اللهَ وحدَهُ، وليسَتْ له شريعةٌ يَعمَلُ بها، ولم يُحْدِث كُفْرًا" (١).

وذكَرَ غيرُ واحدٍ مِن السلفِ: أنَّهم أهلُ كتابٍ، كالسُّديِّ (٢)، وبه قال إسحاقُ وابنُ المُنذِرِ (٣)، وكثيرٌ مِنهم يَعتقِدونَ بإلهٍ واحدٍ، لا آلةٍ، وذكَرَ ابنُ زيدٍ أنَّهم يقولونَ: لا إلهَ إلَّا اللهُ (٤).

وكلُّ فِرْقةٍ منهم لها حُكْمُها؛ فمَن لم يُبدِّلْ، أُلحِقَ بأهلِ الكتاب، ومَن بدَّل، ألحِقَ بالوثَنيِّينَ المشرِكينَ.

ومَن تأمَّلَ المنقولَ عن كتبِ الصابئةِ؛ ك (الكنزاربا) و (أدراشا أديهيا)، ونَظَرَ في عقائدِ المجوسِ وأقوالِهم، وجَدَ أنَّ الصابئِينَ أقرَبُ منهم، ولكنَّهم ليسوا في جزيرةِ العربِ حتى يُعرَفَ أمرُهُمْ وَيشتهِرَ ذِكرُهُمْ عندَ قريشٍ وأمثالِها، وهم اليومَ عددٌ قليل في العراقِ وبعضِ الشام، وإلحاقُ هذا النوعِ مِن الصابئين بأحكامِ الجزيةِ عندَ مَن يقولُ بحَصْرِها في أهلِ الكتابِ أولى مِن المَجُوس، فضلًا عن المَلَاحِدةِ والمُشرِكينَ.

وسببُ خلافِ العلماءِ في عمومِ الجِزْيةِ وخصوصِها في الكفَّارِ هو تأخُّرُ نُزولِها، وذِكْرُ اللهِ لأهلِ الكتابِ في الآيةِ في قولِه ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾، وقد نزَلَتِ الآيةُ بعدَ ذَهَابِ شَوْكةِ المشرِكينَ في جزيرةِ العرَبِ وأطرافِها، وأهلُ الكتابِ حينَها أهلُ شَوكةٍ وقُوَّةٍ، فجاءَ النصُّ عليهم، واللهُ أعلَمُ، قوله تعالى.

﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ الصَّغَارُ هو


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١٢٨).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ١٢٧).
(٣) "تفسير القرطبي" (٢/ ١٦١).
(٤) "تفسير القرطبي" (٢/ ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>