للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتوعَّدُ بقتلٍ لغيرِهِ، والزنديقِ ليتوبَ؛ فاللهُ جعَلَ بقاء الإنسانِ في الدُّنيا إلى حينٍ، والدنيا منفاهُ وسجنُه؛ ففي "صحيحِ مسلم"، عن أبي هريرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (الدُّنْيَا سِجْنُ المُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) (١).

وجعَلَ اللهُ أمَدَهُ إلى حدٍّ وعُمْرٍ كتَبَهُ له في الحياةِ لا يستقدِمُ عنه ساعةً ولا يستأخِرُ، وجعَلَ له أمدًا يعرِفُ علاماتِ نهايتِهِ غالبًا بالكِبَرِ والمشيبِ والمرضِ، ويعرِفُ زمنَهُ بالتقريبِ؛ ففي "السننِ"، عن أبي هريرةَ ؛ قال: قال رسولُ اللهِ : (عُمْرُ أُمَّتِي مِنْ سِتِّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً) (٢).

الحكمةُ من إخفاءِ آجالِ البشر:

وإنَّما لم يُعلِمِ اللهُ الإنسانَ بعُمْرِهِ بالساعاتِ والأيامِ؛ لأنَّ ذلك يكدِّرُ عيشَهُ وصَفْوَهُ؛ فهو يُحِبُّ البقاءَ، ويَكرَهُ الخروجَ منه بالموتِ، بخلافِ السجينِ؛ فهو يُحبُّ الخروجَ منه، ويكرهُ البقاءَ؛ لأنه كان خارجًا فسُجنَ، وأمَّا الجنةُ، فلم يكنِ الإنسانُ فيها حتى يتيقَّنَ خروجَهُ إليها، ولا يدْرِي مصيرَهُ إلى الجنةِ أو إلى النارِ، ولم يُعلِمِ اللهُ ذَوِيهِ ومَن له حقٌّ عيه مِن بعدِهِ؛ لأنَّهم في سجنِهِ معه في الدُّنيا، وحالُهم كحالِهِ يَسْعَدُونَ ويَشَقَوْنَ سواءً، بخلافِ مَن كان حبيسًا في سجنٍ لعقوبةٍ؛ فالناسُ يتمتَّعونَ خارجًا عن عقوبتِهِ، وحالُهم غيرُ حالِهِ.

ويأتي مزيدُ تفصيل في النفيِ والحبسِ إنْ شاء الله تعالى عندَ قولِهِ تعالى: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [المائدة: ٣٣].

* * *


(١) أخرجه مسلم (٢٩٥٦) (٤/ ٢٣٧٢).
(٢) أخرجه الترمذي (٢٣٣١) (٤/ ٥٦٦)، وابن ماجه (٤٢٣٦) (٢/ ١٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>