العدوِّ أقرَبَ، كان في الأجرِ والثوابِ أعظَمَ؛ لأنَّ اللهَ أمَرَهم أن يُقاتِلُوا، وإنْ أبَوْا أنْ يكونوا مِن ورائِهم يُكثِّرونَ سَوَادَ المسلِمينَ، ويَحُوطُونَ حريمَهم لو تَقَهْقَرَ المسلِمونَ أو أحاطَ بهم عدوُّهم.
جهادُ الطلب، وجهادُ الدفع:
وأخَذَ بعضُهم مِن الآيةِ الإشارةَ إلى نوعَي الجهادِ: جهادِ الطلَب، وجهادِ الدَّفْعِ؛ وهذا نسبيٌّ وليس تقسيمًا مطلَقًا في الآيةِ؛ لأنَّ خروجَ النبيِّ ﷺ في غزوةِ أُحُدٍ دفعٌ لا طلبٌ؛ لأنَّه عَلِمَ بقدومِ المشرِكِينَ إليه فتجهَّزَ لمُواجهتِهم وصدِّهم، وهذه الآيةُ نزَلَتْ في أُحُدٍ, ولكنَّ المتأخِّرينَ مِن وراءِ المُقاتِلينَ يُعَدُّونَ مُدافِعينَ بالنسبةِ للمُتقدِّمينَ عليهم، والمتقدِّمينَ يُعَدُّونَ مُقاتِلينَ وطالِبينَ بالنسةِ للمُتأخِّرينَ عنهم.
التفاضُلُ بين جهادِ الدفعِ والطلبِ:
وجهادُ الطلبِ أَعظمُ مِن جهادِ الدفعِ؛ لأنَّ جهادَ الدفعِ لا يَفتقِرُ إلى نِيَّةٍ، ومشوبٌ بقصدِ حِياطَةِ الدُّنيا وحمايتِها مِن نفسٍ وأرضٍ ومالٍ وعِرْضٍ، وأمَّا جهادُ الطلب، فالقصدُ فيه أكثرُ تجرُّدًا؛ لاشتراطِ النيةِ فيه لإعلاءِ كلمةِ الله، ثمَّ إنَّ أَصلَ جهادِ الدفعِ مِن جِنْسِ الفِطْرةِ والحَمِيَّةِ الموجودةِ في جنسِ الحيوانِ، كان إنسانًا أَو بهيمًا، فهو يدفعُ المعتديَ عليه، وأمَّا جهادُ الطلب، فمِن خصائصِ الإنسانِ وأهلِ الإيمان، وفي جهادِ الدفعِ حمايةٌ للدُّنيا وصَوْنٌ لها، وفي جهادِ الطلبِ تركٌ للدُّنيا وبَذْلٌ لها، وقد يكونُ المجاهدُ يُجاهِدُ جهادَ الدفعِ وله أجرُ جهادِ الطلبِ وفضْلُهُ إذا كان يدفعُ عن مالِ غيرِهِ ونفسِهِ وعِرْضِهِ وأرضِه؛ فهذا في جهادِهِ جهادُ دفعٍ، وأجرُهُ أجرُ طلبٍ.
وكِلا الجهادَيْنِ الدفعِ والطلبِ فَضْلُهما عندَ اللهِ عظيمٌ، والأجرُ الواردُ في الكتابِ والسُّنَّةِ لهما في الآخِرةِ يَدْخُلانِ فيه جميعًا، ولكنَّه عندَ