المعنى: أنَّ الحياةَ لا تَكتمِلُ إلا ببَذْلِ أسبابِ الأمانِ والمَوَدَّةِ؛ فإنَّ الخوفَ يُضْعِفُها، وربَّما يُزِيلُها بالقتلِ.
التوسعةُ في معنى التحيَّةِ:
وفي قولِهِ تعالى: ﴿حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾ إشارةٌ إلى التَّوْسِعةِ في أمرِ التحيَّةِ؛ في صِفَتِها وألفاظِها، على ما يتعارَفُ عليه الناسُ؛ بحسَبِ لُغَاتِهِمْ وبُلْدانِهم؛ فالآيةُ أصلٌ في جوازِ صِيَغِ التحيَّةِ، ولو كانتِ التحيَّةُ هي لفْظَ السلامِ فقط، لَذَكَرَهَا، ولكنَّ المرادَ بالتحيَّةِ بَذْلُ السلامِ وما في حُكْمِهِ مِن الألفاظِ؛ كالتحيَّةِ بمَرْحَبًا وأهلًا، وكذلك ما في حُكْمِهِ مِن الأفعالِ؛ كالإشارةِ باليد، والتلويحِ بالثوبِ والراية، وغيرِ ذلك ممَّا يُشعِرُ بالسلامِ والأمانِ والإيناسِ.
أفضلُ أنواعِ التحيَّةِ:
وأفضَلُ التحيَّةِ: السلامُ؛ لأنَّها تحيَّةُ أهلِ الجنةِ؛ كما في قولِه تعالى في سورةِ يُونُسَ وإبراهيمَ: ﴿وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [يونس: ١٠]، ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ [إبراهيم: ٢٣]، وفي الأحزابِ قال: ﴿تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ﴾ [الأحزاب: ٤٤].
روى سعيدٌ، عن قتادةَ؛ قال:"تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ السَّلَامُ"(١).
وهي التحيَّةُ الأُولى بينَ الملائكةِ وآدمَ وبَنِيهِ وبينَ بني آدمَ بعضِهم مع بعضٍ؛ لِما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هُرَيْرةَ؛ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: (خَلَقَ اللهُ ﷿ آدَمَ عَلَى صُورَتِه، طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا خَلَقَهُ، قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ، وَهُمْ نَفَرٌ مِنَ المَلَائِكَةِ جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُجِيبُونَكَ؛ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، قَالَ: فَذَهَبَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله، قَالَ: فَزَادُوهُ:
(١) "تفسير الطبري" (١٩/ ١٢٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٩/ ٣١٣٩).