للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجِهاتِ الأرض، فهذا يُستأجَرُ بالمالِ؛ لأنَّه استُؤجِرَ لخِبْرتِهِ لا لجاهِه، فالجاهُ لا يَلزَمُ معه عملٌ أو خِبْرةٌ.

وإنْ تَبعَ الجِعَالةَ جاهٌ على سبيلِ التَّبَعِ لا الاستقلال، لم يَضُرَّ، وجاز أخذُ العِوَضِ.

والجاهُ نِعْمةٌ مِن اللهِ ومِنَّةٌ، فالأخذُ به دنيا يُفسِدُ رؤوسَ الأُمَّةِ ووُجَهَاءَها، ويَحبِسُونَ الحقوقَ بانتظارِ المالِ، ويُعَطِّلُهُمْ عنِ التكسُّبِ مع عمومِ الناس، فيَكِلُهُمْ إلى التكسُّبِ بالجاهِ لا بعملِ اليدِ.

وهذا لا يُعارِضُ ما جاء في حديثِ ابنِ عمرَ في "المسنَدِ"، و"السُّننِ": (مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا، فَكَافِئُوهُ) (١).

فإنَّ هذا في باذِلِ الخيرِ والإحسانِ مِن غيرِ إعادةِ حقٍّ أو رفعِ ظُلْمٍ؛ كمَن أعانَ على حَمْلِ المتاع، أو إيجادِ ضالَّةٍ، أو الإمساكِ بدابَّةٍ نادَّةٍ، ونحوِ هذا.

وقولُه تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾: المُقِيتُ في الآيةِ: الحَفِيظُ؛ قاله ابنُ عبَّاسٍ وغيرُه (٢).

واللهُ أعلَمُ.

* * *

* قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا﴾ [النساء: ٨٦].

قولُه: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ﴾: التحيَّةُ مشتقَّةٌ مِن الحياة، وفي هذا مِن


(١) أخرجه أحمد (٥٣٦٥) (٢/ ٦٨)، وأبو داود (١٦٧٢) (٢/ ١٢٨)، والنسائي (٢٥٦٧) (٥/ ٨٢).
(٢) "تفسير الطبري" (٧/ ٢٧١)، و"تفسير ابن المنذر" (٢/ ٨١٣)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ١٠١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>