للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: ١٦٨]، ويأتي إنْ شاء اللهُ مزيدُ بيانٍ في قولِهِ تعالى في الأعراف: ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [الأعراف: ٣٢].

نسبةُ العلْمِ كُلِّهِ إلى اللهِ:

وبعدَما ذَكَرَ اللهُ حِلَّ الطيِّباتِ في الآية، خَصَّ بالذِّكرِ منها صيدَ الكلابِ المعلَّمةِ بقوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ﴾، وكلُّ عِلمٍ في الأرض، فهو مِن الله، حتَّى تعليمُ الإنسانِ للحيوانِ نعمةٌ مِن اللهِ تستوجبُ الشُّكرَ، وإنما نسَبَ اللهُ تعليمَ الإنسانِ للحيوانِ عِلْمَ الصيدِ إليه؛ لإظهارِ النعمة، ولِكَسْرِ غرورِ النفسِ التي يُشعِرُها عِلْمُها المنشورُ في الخَلْقِ بفضلِها عليهم، فتَنسى فضلَ اللهِ عليها، فتكفُرُ نعمةَ اللهِ؛ فبيَّنَ اللهُ أنه حتى تعليم الإنسانِ للحيوانِ هو مِن اللهِ؛ فكيف بتعليمِ الإنسانِ للإنسانِ؟ ! وإنَّما بَغَى وطَغَى وتكبَّرَ قارونُ بسبب اغترارِهِ بعِلْمِهِ الذي اكتسَبَ به دُنيا، فقال: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [القصص: ٧٨]، وكفر نعمةِ العِلْمِ أعظَمُ كُفرِ النِّعَم، وهو أصلٌ لكفرِ كلِّ نعمةٍ، ولا تكفرُ الأممُ نعمةَ الطعامِ والشرابِ إلا إذا كَفَرَتْ نعمةَ العِلْمِ بكسبِه، وفضلَ اللهِ بإيصالِهِ وتيسيرِه.

وقد أمَرَ اللهُ بإيكالِ العِلْمِ إليه في كلِّ شيءٍ؛ قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الأنعام: ٧٣]، وقال: ﴿قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [الملك: ٢٦]، وقال: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ] [الأنعام: ٥٩]؛ فبيَّنَ اللهُ مصدرَ العِلمِ وأصلَهُ قبلَ بيانِ تشريعِهِ وحُكمِه؛ فبيَّنَ أنَّ تعليمَ الكلابِ مِن نِعَمِ اللهِ قبلَ بيانِ حِلِّ صيدِها، فنعمةُ العِلْمِ أعظَمُ مِن نعمةِ الصيدِ، وشُكْرُ نعمةِ العِلمِ أولى مِن شكرِ نعمةِ الصيدِ، فذكَرَ الله بالنعمةِ الأولى، حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>