للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُهُ: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢]، وقولُهُ تعالى لنبيِّه: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، وذلك لأمورٍ وغاياتٍ عديدةٍ؛ منها:

الأوَّلُ: أن حقَّ اللهِ في تحريمِ الأشياءِ يَظهَرُ أكثَرَ مِن حقِّه في التحليلِ؛ وكلُّها حقٌّ له، والتشريعُ في التحريمِ يَظهرُ معه قوةُ تصرُّفِ المحرِّمِ والانقيادُ له أكثَرَ مِن المحلِّلِ؛ لأنَّ الحرامَ استثناءٌ، والحلال أصلٌ، والناسُ تَتْبَعُ المانعَ رغبةً ورهبةً، وتَتْبَعُ المُبِيحَ رغبةً، فالسُّلطانُ الذي يُحِلُّ تنقادُ له النَّاسُ رغبةً؛ لأنها لا تُحِبُّ المنعَ وإن لم تَقترِفِ المباحَ، ومَن يُحِلُّ ويُحرِّمُ أو يُحرِّمُ فقط، تنقادُ له الناس رغبةً ورهبةً؛ لأنَّه لا يَمنعُ -غالبًا- إلا القادرُ على عقوبةِ المخالِفِ.

الثاني: أن الحرامَ يَلزَمُ مِن الوقوعِ فيه عقوبةٌ، بخلافِ الحلالِ، فلا يلزم مِن تَرْكِهِ عقابٌ، ولا مِن فِعْلِهِ ثوابٌ، وسواءٌ كانتِ العقوبةُ مقدَّرةً أو مُضمَرةً؛ فهي حقٌّ للهِ.

الثالثُ: أنَّ تحريمَ الحلالِ يظهَرُ فيه الظُّلْمُ في حقِّ اللهِ وحقِّ الناس، وأمَّا تحليلُ الحرام، فيَغلِبُ عليه الظلم في حقِّ اللهِ وَحْدَه؛ لأنَّ الناسَ يَغلِبُ عليها ضبطُ حياتِها والاهتمام بالدُّنيا؛ فيُحبُّونَ العدلَ بينهم، وأمَّا حقُّ الله، فأكثر الناسِ يَحِيدُونَ عنه، ولذا ذكَرَ اللهُ أنَّ أكثَرَ الناسِ لا يُؤمِنونَ ولا يَعقِلونَ ولا يَشكرونَ.

الرابعُ: أنَّ تحريمَ ما أحَلَّ الله ينفِّرُ مِن المحرِّمِ وشريعتِهِ أكثَرَ مِن المحلِّلِ إذا أحَلَّ المحرَّمَ! لأنَّ المحرَّماتِ يَغلِبُ عليها الشهواتُ، وأعظَمُ التحريم ما كان باسم الله، وليس منه.

وقد جاءت آيةُ المائدةِ هذه بحِلِّ الطيِّبات، وتقدَّمَ في مواضعَ مِن سورة البقرةِ الكلامُ على الطيِّباتِ ومعناها وحِلِّها؛ منها قولُهُ تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>