الثاني: حتى لا يَبغُوا في إقامةِ الحدودِ لو أدرَكُوا مقدارَ ما تَدفَعُ الحدودُ مِن شرٍّ وفسادٍ؛ لأنَّ الإنسانَ ضعيفُ التقديرِ للأمور، فيعظُمُ الشرُّ بالإسرافِ والبغي فيها، فيُؤخَذُ المُتَّهَمُ بظنٍّ، وتُجعَلُ القرائنُ براهينَ، وتُقامُ الشُّبُهاتُ مُقامَ البيِّناتِ.
وقد كان حدُّ السرقةِ ربَّما أُقِيمَ في الجاهليَّةِ؛ فقد أقامَتْهُ قريشٌ على مَن سرَقَ كَنْزَ الكعبة، وهو رجلٌ يُقالُ له: دُوَيْكٌ الخُزَاعيُّ (١)، ولم يكونوا يُقِيمُونَهُ على كلِّ سارقٍ، ولا في كلِّ مالٍ مسروقٍ.
إقامةُ السلطانِ للحدودِ:
وقولُه تعالى: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ خِطابٌ للسُّلْطانِ لا لغيرِه، فلا يُقِيمُها غيرُه إلا ما كان بتوكيلٍ منه؛ ويَعضُدُ ذلك: أنَّ اللهَ لمَّا جعَلَ الخِطابَ للحُكَّام، قال: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾، ولمَّا كان الخِطابُ بعدَ ذلك للمُذنب، قالَ: ﴿فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ﴾ [المائدة: ٣٩].
اشتراطُ النصابِ والحِرْزِ في حدِّ السرقةِ:
وظاهرُ الآيةِ: إطلاقُ إقامةِ الحدِّ على كلِّ سارقٍ، وفي كلِّ
(١) ينظر: "سيرة ابن هشام" (١/ ١٩٣)، و"تفسير ابن كثير" (٣/ ١٠٧).