الأُولى: القوةُ الظاهرةُ، وهي قوةُ الأبدان، وما تعلَّقَ بها مِن القوةِ الظاهرةِ؛ كإعدادِ السلاح، وتعلُّمِ استعمالِه.
الثاني: القوةُ الباطنةُ، وهي قوةُ الإيمان، وما تعلَّقَ بها مِن المَعاني الباطنةِ؛ مِن شدِّ العزائمِ وتحريضِها، ولو بالشِّعْرِ والمَعاني الحَسَنةِ التي لا تَصرِفُ قصدَ المجاهدِ لغيرِ اللهِ؛ وإنَّما تَشُدُّ مِن عزمِه؛ كتذكُّرِ الصادِقِينَ مِن السابِقِينَ وثباتِهم وقوةِ بأسهم.
فضل الخيلِ وحَبْسِها:
وفي الآيةِ: دليلٌ على فضلِ الخيل، فخصَّها اللهُ بالذكْرِ مع وجودِ غيرِها مِن المَرْكوبِ: ﴿وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾، وقد ثبَتَ في "الصحيحَينِ"؛ قال ﷺ:(الْخَيلُ مَعْقُود فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ)(١)، وفي هذا: دليلٌ على أنه لا يُستغنى عن الخيلِ في الجهادِ إلى قيامِ الساعة، وقد استدَلَّ بهذا البخاري على ديمومةِ الجهاد، لارتباطِ الخيلِ به.
وفي هذه الآيةِ: مشروعيَّةُ حبسِ الخيلِ وما في حُكْمِها مِن المَراكبِ في سبيلِ اللهِ للغزو، وقد جاء في ذلك أحاديثُ عن النبيِّ ﷺ؛ منها ما رواهُ أبو هُرَيْرةَ؛ أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (الْخَيْلُ ثَلَاَثَةٌ: هِيَ لِرَجُل وِزْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ؛ فَأمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ وِزرٌ، فَرَجُلُ رَبَطَهَا رِيَاءَ وَفَخْرًا ونِوَاءً عَلَى أَهْلِ الإسْلَامِ؛ فَهِيَ لَهُ وِزْرٌ، وَأَمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ، فَرَجُل رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ الله، ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللهِ فِي ظُهُورِهَا وَلَا رِقَابِهَا، فَهِيَ لَهُ سِتْرٌ، وَأمَّا الَّتِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ، فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سبِيلِ اللهِ لِأَهْلِ الْإسْلَام، في مَرْج وَرَوْضَةٍ، فَمَا أَكَلَتْ مِنْ ذَلِكَ المَرْجِ أوِ الرَّوْضَةِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كُتِبَ لَهُ عَدَدَ مَا أَكَلَتْ حَسَنَاتٌ، وَكُتِبَ لَهُ عَدَدَ أرْوَاثِهَا وَأبْوَالِهَا