للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حَدُّ الغَنِيِّ:

وقد اختَلَفَ العلماءُ في حَدِّ الغَنِيِّ الذي يُمنَعُ معه سؤالُهُ الزَّكَاةَ وإعطاؤُه لها:

فمِنهم: مَن جعَلَ له حدًّا معلومًا.

ومِنهم: مَن لم يَجعَلْ له حدًّا يَفصِلُ فيه؛ وقد ذهَب مالكٌ والشافعيُّ: إلى أنه لا حدَّ للغني معلومٌ؛ وإنَّما حالُهُ بحسَبِ وُسْعِهِ وطاقتِه؛ فإذا اكتَفَى بما عِندَة ولو كان قليلًا، حَرُمَتْ عليه الزكاةُ، وإنْ لم يَكتَفِ بما عِندَهُ ولو كان كثيرًا، حَلَّتْ له الزكاةُ؛ وذلك أنَّ أحوالَ الناسِ تَختلِفُ؛ فمنهم: صاحبُ زَوْجاتٍ وعيالٍ كثير، ومنهم: مَن لا زَوْجةَ له ولا ولَدَ، ومِنهم: مَن هو صحيحٌ مُعافًى، ومِنهم: مَن هو مريضٌ يَحتاجُ لعلاجِ مرَضِهِ أكثَرَ مِن طعامِ غيرِهِ لِنَفْسِهِ وولَدِه، وقد قاله الشافعيُّ: "قد يكونُ الرجلُ بالدِّرْهَمِ غنيًّا معَ كَسْبٍ، ولا يُغْنِيهِ الأَلْفُ معَ ضَعْفِهِ في نفسِهِ وكثرةِ عِيالِه" (١).

ومَن قال بأنَّ للغَنِيِّ حدًّا معلومًا، اختَلَفُوا في حَدِّه:

فذهَبَتْ طائفةٌ: إلى أنَّ حَدَّهُ خمسونَ دِرْهَمًا، فمَن مَلَكهُ فهو غنيٌّ تحرُمُ عليه الزكاةُ؛ وبهذا قال الثوريُّ، وابنُ المبارَك، وأحمدُ، وإسحاقُ؛ وذلك لحديثِ ابن مسعودٍ؛ قال: قيل: يا رسولَ الله، وما الغِنَى؟ قال: (خَمْسُونَ دِرْهَمًا، أَو قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ) (٢)؛ رواهُ حَكِيمُ بن جُبَيْرٍ، عن محمدِ بنِ عبد الرحمنِ بنِ يَزِيدَ، عن أبيه، عن ابنِ مسعودٍ؛ به، وحكيمٌ متروكٌ، وللحديثِ وجهٌ آخرُ معلولٌ، وقد أَعَلَّ الحديثَ


(١) "معالم السنن" (٢/ ٥٧)، و "فتح الباري" لابن حجر (٤/ ٣٠٨).
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٣٨٨)، وأبو داود (١٦٢٦)، والترمذي (٦٥٠)، والنسائي (٢٥٩٢)، وابن ماجه (١٨٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>