للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلمُ الزوجِ لزوجتِهِ:

وقولُهُ تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾:

ذكَرَ العُدْوانَ علي الزوجةِ، ثمَّ ذكَرَ الظُّلْمَ أنَّه ظُلْمُ النفسِ، مع أنَّ النهيَ دفعًا لظلمِ الزوجةِ؛ وذلك أنَّ كلَّ ظلمٍ يظلِمُ الإنسانُ به غيرَهُ، فهو ظلمٌ لنفسِهِ وغيرِه، وليس كلُّ ظُلْمِ الإنسانِ لنفسِهِ يكونُ ظلمًا لغيرِه.

ولأنَّ الضَّرَرَ اللاحقَ للزوجةِ مِن زَوْجِها ينزِلُ أثَرُه على الزوجِ أعظمَ مِن أثرِهِ علي الزوجةِ؛ لشِدَّةِ عاقبةِ الظالمِ عاجلةً وآجِلةً، فعُدَّ ظالِمًا لنفسِهِ.

وفي هذه الآيةِ: تنبيهٌ للظالمِ أنْ يستحضِرَ عَظَمةَ عاقبةِ ظُلْمِهِ عليه، قبلَ عاقبةِ ظُلْمِهِ على غيرِه؛ لأنَّ انتقامَ اللهِ أسرَعُ وأشدُّ.

طلاقُ الهازِلِ:

قولُهُ تعالى: ﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾: والمُرادُ بآياتِ اللهِ: حدودُهُ وتفصيلُهُ للحلالِ والحرامِ، ومِن الاستهزاءِ بآياتِ اللهِ: معرفتُها وتَرْكُها بلا مبالاةٍ بها، ولو لم ينطِقْ بها سوءًا؛ فهذا مِن الاستهزاءِ عملًا.

فالطلاقُ حَدٌّ مِن حدودِ اللهِ، أَحْكَمَهُ اللهُ وأتَمَّهُ في كتابِه، فلا يجوزُ فيه الهَزْلُ واللَّعِبُ، وقد كان أهلُ الجاهليَّةِ يطلِّقُونَ ويُعتِقونَ، ثم يَرجِعونَ ويقولُونَ: كنَّا نَلْعَبُ ونَهْزَأُ، فنهاهُم اللهُ عن ذلك.

روى الحسَنُ، عن أبي الدرداءِ: كان الرجلُ يطَلِّقُ في الجاهليَّةِ، ويقولُ: إنَّما طَلَّقْتُ وأنا لاعبٌ، وكان يُعتِقُ ويَنكِحُ ويقولُ: كنتُ لاعِبًا، فقال : (مَنْ طَلَّقَ أَوْ حَرَّرَ أَوْ نَكَحَ أو أَنْكَحَ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَاعِبٌ، فَهُوَ جِدٌّ) (١).


(١) "تفسير القرطبي" (٤/ ١٠١). وينظر: "مصنف ابن أبي شيبة" (١٨٤٠٦) (٤/ ١١٥)، و"تفسير الطبري" (٤/ ١٨٤)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٢/ ٤٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>