(تَقُولُ المَرْأَةُ: إِمَّا أَنْ تُطْعِمَنِي، وَإِمَّا أَنْ تُطَلِّقَنِي)(١)، إلَّا إذا كان عامَ فقرٍ ومجاعةٍ بالبلدِ كلِّه، فعليها الصَّبْرُ، ولا يجبُ عليه الطلاقُ.
الثانيةُ: أنْ يكونَ فقرُهُ يسيرًا؛ يجدُ ما يَسُدُّ جُوعَها، ويكسُو عَوْرَتَها، ولكنَّه دونَ الكفايةِ، فيُستحَبُّ لها الصَّبْرُ، ولا يجبُ؛ فاللهُ حثَّ على التزويجِ ولو كانوا فُقَراءَ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [النور: ٣٢].
الثالثةُ: أنْ يكونَ فقيرًا، لكنَّه يجدُ طعامَها وكِسْوتَها وكفايتَها مِن ذلك، كفافًا بلا زيادةٍ يسمَّى معها غنيًّا، فهذا يجبُ عليها الصبرُ عليه، ولا يجبُ عليه الطلاقُ، إلَّا إذا كانت مِن أهلِ بيتٍ أغنياءَ، وقَصَّرَ بها عن مثيلاتِها، فيُستَحَبُّ لها الصبرُ، ويجوزُ لها طَلَبُ الطلاقِ؛ خاصَّةً إذا خافتِ الفتنةَ علي نفسِها.
ولو طلَّق الرجلُ زوجتَهُ بسببِ إعسارِه، أو طلَّقَها عليه الحاكمُ، فهي طلقةٌ رجعيَّةٌ كسائرِ الطلاقِ؛ لأنَّها طَلْقةٌ بلا عِوَضٍ ولا لِعَانٍ، ولا لعيبٍ لازمٍ بالزوجِ، وذهَبَ الشافعيُّ إلى أنَّها طلقةٌ بائنةٌ.
وقولُهُ تعالى: ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ التسريحُ في لغةِ العربِ الإرسالُ؛ كما في قولِهِ تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ [النحل: ٦]؛ أيْ: حِينَ تُرسِلُونَها مع راعيها للمَرْعَى، فالتسريحُ الطلاقُ، ويَنبغِي أنْ يكونَ بمعروفٍ وحُسْنَى؛ فلا يُتْبِعُهُ أذيَّةً بذِكْرِ سيِّئاتِها وعَوْرَتِها، ولا يُفشِي سِرَّها، فيؤذيها ويؤذي أهْلَها، وربَّما آذاها فلا يتزوَّجُها الرجالُ مِن بعدِه؛ لنُفْرَتِهم منها.
وهذا مِن عظيمِ شِرْعةِ الإسلامِ؛ الوصيَّةُ بحقِّ الزوجةِ باقيةً أو طالقةً؛ أنْ يكونَ ذلك بالإحسانِ.