الثاني: تَكْرارُ الأمرِ به والنهيِ عن ضدِّه في مواضعَ كثيرةٍ.
ولهذا كان التوحيدُ أعظَمَ وأكثرَ ما أُمِرَ به، والشِّركُ أكثَرَ وأعظَمَ ما نُهِيَ عنه، ويَلِيهِ بقيةُ أركانِ الإسلامِ.
ومَن تتَّبعَ ذلك، وجَدَ أنَّه شِبْهُ مطردٍ في الشريعة، وأنَّ الأمرَ إذا خلا مِن نهي عن ضدِّه، فغالبُه مستحَبٌّ، وأنَّ النهيَ إنْ خلا مِن أمرٍ بضدِّه، فغالبُه مكروهٌ؛ وبهذا يُفسَّرُ فقهُ الصحابةِ والتابعينَ في التشديدِ في بعضِ الأوامرِ والنواهِي والتخفيفِ في بعضِها؛ لأنَّهم أدرَكُوا مِن حرصِ النبيِّ ﷺ ما لم يُدرِكه غيرُهم.
وهذا مع قرائنَ أُخرى؛ مِن وصفِ التاركِ بوصفٍ كالهلاك، والفاعلِ بوصفٍ كالنجاة، وهي أوصافٌ كثيرةٌ جِدًا تجتمعُ مع غيرِها؛ فيُؤخَذُ منها مَنزلةُ الحُكمِ في الشريعةِ.
حفظُ العالِمِ وفقهُهُ وأثَرُهُ على مراتِبِ الشريعةِ:
وكلَّما كان العالِمُ أكثَرَ حِفظًا للوحي ومعرفة لمَعانيهِ وسياقاتِه، كان أكثَرَ معرفةَ لأولويَّاتِ الشريعةِ عندَ تزاحُمَها والتدرُّج في تنزيِلها، وأبصَرَ بالسياسةِ عندَ ارتكابِ الأوامرِ المزدحِمةِ التي لا تتَّسعُ الحالُ للإتيانِ بها جميعًا، أو اجتماعِ المنهيَّاتِ التي لا بدَّ مِن ارتكابِ واحدٍ منها؛ فبهذا تُعرَفُ الأولويَّاتُ، وما شدَّدَتْ فيه الشريعةُ وما خَفَّفَتْ فيه.
وقولُه: ﴿وَبِذِي الْقُرْبَى﴾: هم أهلُ الرَّحِمِ وعمومُ أهلِ القَرَابةِ مِن النَّسَب، ولا يدخُلُ فيهم الرَّضَاعُ والمُصاهَرةُ بالأمر، ولكنَّها تدخُلُ في الفضلِ والإحسانِ وبَذْلِ المعروفِ وكريم الخُلُقِ.
وأعظَمُ القُربى: أُولو الأرحام، واختلَفَ العلماءُ في الرحِمِ التي يجبُ وصلُها على أقوالٍ تقدَّمَ ذِكرُها في أوائلِ هذه السورةِ.
وقولُه: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ وأَوْلى اليتامى والمساكينِ هم يتامى