وفي الآيةِ دليل على أنَّ نقَضَ العهدِ على نوعَيْنِ:
النَّوعُ الأولُ: نقضٌ مباشرٌ، وهو أنْ يَتِمَّ نقضُهُ مِن العدوِّ بنفسِه في حقِّ المُسلِمينَ أنفُسِهم بلا وسيط، كأنْ يُقاتِلَ المسلِمينَ بنفسِه، أو يُعلِنَ إبطالَهُ أو إبطالَ شرطٍ مِن شُروطِهِ؛ وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾.
النوعُ الثاني: نقضٌ بواسطةٍ، وهو غيرُ المباشِرِ؛ وهذا ظاهرٌ في قوله تعالى: ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾؛ وهو على صورَتَيْنِ:
الثانيةُ: أن يقومَ العدوُّ بإعانةِ عدوِّ آخَرَ للمُسلِمينَ، ويقومَ هذا العدؤ الآخَرُ بمُعاداةِ حليفٍ للمُسلِمينَ لا المُسلِمينَ أنفُسِهم، كما فعَلَتْ قريشٌ حينَما وقعَتْ حربٌ بينَ بني خُزَاعةَ، وهم حُلَفاءُ النبيِّ ﷺ، وبينَ بني بكرٍ، وهم حُلَفاء قُرَيْشٍ، فقامَت قريشٌ بإعانةِ بني بكرٍ على خُزَاعةَ، وقتَلُوا رجلًا منهم، فجاءَت خُزَاعة إلى النبيِّ ﷺ، فانتصَر لهم؛ كما رَوَى ابنُ إسحاقَ؛ قال: كان بينَ بني بكْرٍ وخُزَاعةَ حروبٌ وقَتْلى في الجاهليَّة، فتَشَاغَلُوا عن ذلك لَمَّا ظهَرَ الإسلامُ، فلمَّا كانتِ الهُدْنةُ، خرَجَ نَوْفَلُ بن مُعاويةَ الدِّيلِيُّ مِن بني بكرٍ في بني الدِّيلِ حتَّى بَيَّتَ خُزَاعةَ على ماءِ لهم يُقالُ له: الوَتِيرُ، فأصابَ منهم رجلًا يُقالُ له: مُنَبِّهٌ، واستَيقَظَت لهم خُزاعةُ، فاقتَتَلُوا إلى أن دخَلُوا الحَرَمَ ولم يَترُكوا القتالَ، وأمَدَّت قريشٌ بي بَكرٍ بالسِّلَاحِ وقاتَلَ بعضُهُمْ معَهُمْ ليلًا في حُفيَةٍ، فلمَّا انقَضَتِ الحربُ، خرَجَ عمرُو بن سالمٍ الخُزَاعيُّ حتَّى قَدِمَ على رسولِ اللهِ ﷺ وهو جالسٌ في المسجد، فقال: