والمحتسِبِينَ والحُرَّاسِ، أوِ العُمَّالِ والصُّنَّاعِ الذين يتناوَبونَ على عملٍ لا ينقَطِعُ؛ فإنَّ نومَهُ سيكونُ نهارًا، فصلاةُ النهارِ في حَقِّهِ أعظَمُ؛ لأنَّها أشقُّ؛ هذا مِنْ جهةِ المشقَّةِ.
وللصلواتِ فضلٌ مِن جهاتٍ أُخرى لا يُلْغِيهِ تقلُّبُ الزمانِ وتغيُّرُ المكانِ والحالِ؛ كفَضْلِ الفجرِ لشهودِ الملائكةِ لها: ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ [الإسراء: ٧٨]، وصلاةِ البَرْدَيْنِ، وصلاةِ الليلِ لنزولِ الرحمنِ في الثلثِ الأخيرِ مِن الليلِ؛ فلا يقالُ: إنَّ صلاةَ النهارِ أفضَلُ مِن صلاةِ الليلِ لِمَن يَسهَرُ الليلَ وينامُ النهارَ؛ لأنَّ فضلَ قيامِ الليلِ لنزولِ الرحمنِ وخفاءِ العبادةِ فيه عنِ الناسِ؛ وهذا ثابتٌ لا يتحوَّلُ مع تغيُّرِ حالِ الفردِ في نفسِهِ، ولكنَّ أسبابَ التفضيلِ تتنوَّعُ، واجتماعُها في عبادةٍ أقوى مِن تفرُّقِها في عباداتٍ.
وربَّما كان هذا الوجهُ هو ما جعَلَ بعضَ السلفِ كابنِ عُمَرَ يَمِيلُ إلى أنَّها ليست في صلاةٍ معيَّنةٍ وأنَّها عامَّةٌ؛ وهذا ما مال إليه ابنُ عبدِ البَرِّ وابنُ العرَبِيِّ المالكيَّان، وقال به إمامُ الحرَمَيْنِ مِن الشافعيَّةِ، وغيرُهم.
ولابنِ عُمَرَ قولٌ في تعيينِها تقدَّمَ، ولعلَّ قولَهُ في عدَمِ تعيينِها؛ حتَّى لا يَتَّكِلَ الناسُ على الوُسْطَى ويفرِّطوا في غيرِها، ورُوِيَ هذا المعنى عن بعضِ السلفِ؛ كالرَّبيعِ بنِ خُثَيْمٍ وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ وغيرِهما.
الكلامُ في الصلاةِ:
وقولُهُ تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾؛ فُسِّرَ القنوتُ على معانٍ عِدَّةٍ، وكلُّها دالَّةٌ بالصيغةِ أوِ اللزومِ على الخشوعِ وأهميَّتِه.
وفي الآيةِ: وجوبُ تركِ الكلامِ في الصلاةِ إلَّا المشروعَ؛ ففي "الصحيحَيْنِ"؛ عن زيدِ بنِ أرقمَ، قال: "كان الرَّجُلُ يُكَلِّمُ صاحِبَهُ في عهدِ النَّبِيِّ ﷺ في الحاجةِ في الصَّلَاةِ، حتَّى نزَلَتْ هذه الآيةُ: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ