للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدفاعُ والمحاماةُ عن الظالمِ:

وفي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ نهي عن نُصْرةِ أهلِ الباطل، و ﴿خَصِيمًا﴾؛ يَعني: مُدافِعًا نُاصِرًا.

وقد جاء في نزولِ هده الآيةِ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ عندَ ابنِ مَرْدَوَيْهِ (١)، ومِن حديثِ قَتَادةَ بنِ النُّعْمانِ عندَ ابنِ إسحاقَ، وعنه التِّرْمِذيُّ (٢): أن رجلًا سرَقَ دِرْعَ رجلٍ وهُمْ في غزوةٍ، فشَكَا صاحبُ الدِّرْعِ السارِقَ - وكان مِن بني أُبَيرِقٍ - فلمَّا سَمِعَ السارِقُ، وضَعَ الدِّرْعَ في بيتِ رجلٍ بريءٍ، وجاء قومُهُ يُدافِعُونَ عنه ويُخاصِمونَ وهم يَعلَمونَ أنَّه السارِقُ، فطَلَبُوا إلى النبيِّ أن يَعْذِرَ صاحِبَهُمْ، ويجادِلَ عنه أمامَ التاس، فنزَلَتِ الآيةُ، وفي سندِ القِصَّةِ لِينٌ.

ويعضُدُه ما جاء مُرسَلًا مِن حديثِ ابنِ أبي نَجِيحٍ عن مجاهِدٍ (٣)، وأسباطٍ عنِ السُّدِّيِّ (٤)، وابنِ جُريجٍ عن عِكْرِمَةَ (٥)، ومَعمَرٍ عن قتادةَ (٦)؛ رواها ابنُ جريرٍ، ورواهُ جُويْبِرٌ عن الضحَّاكِ؛ أخرَجَهُ ابنُ شَبَّةَ (٧)، وفيه أنَّ مَنِ اتُّهِمَ بذلك يهوديٌّ وهو بريءٌ مِنه.

واللهُ أمَرَ بالعدلِ هي الحقوقِ حتَّى مع الكافر، فلا يُقضى لمسلِمٍ لأنَّه مسلِمٌ وهو ظالِمٌ، ولا يُقضى على الكافرِ لأنَّه كافرٌ وهو مظلومٌ، فإذا كان الولاءُ للمؤمنِ لا يُجِيزُ نُصرَتَهُ على ظُلْمِهِ إلَّا بِدَفْعِه، وولاءُ الإيمانِ أعظَمُ مِن ولاءِ النَّسَب والحَسَبِ، والأَرْضِ والعِرِق، فإنَّ الانتصارَ للظالمِ لِوَلاءٍ دونَ ولاءِ الإيمانِ أعظَمُ جُرْمًا، وأشَدُّ إثمًا.


(١) ينظر: "تفسير الطبري" (٧/ ٤٦٣)، و "تفسير ابن كثير" (٥/ ٤٠٢).
(٢) ينظر: "سنن الترمذي" (٣٠٣٦) (٥/ ٢٤٤)، و "تفسير الطبري" (٧/ ٤٥٩)، و "تفسير ابن كثير" (٢/ ٤٠٥).
(٣) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٥٨).
(٤) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٦٦).
(٥) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٦٨).
(٦) "تفسير الطبري" (٧/ ٤٧١).
(٧) "أخبار المدينة" لابن شبة (١/ ٢٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>