للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى "سبيلِ الله" في القرآن:

وأغلبُ استعمالِ الكتابِ والسُّنَّةِ لسبيلِ اللهِ يرادُ به الجهادُ؛ تعظيمًا له، وبيانًا لكبيرِ مصلحةِ الدِّينِ بالقيامِ به؛ فبِه يَقْوَى المسلِمُونَ ويضعُفُ عدوُّهم، وما تركَتْ أمَّةُ الإسلامِ الجهادَ إلَّا ذَلَّتْ، فتَرْكُ الجهادِ إضعافٌ لسبيلِ اللهِ، وتقطيعٌ له، وزيادةُ حَيْرةٍ للسالِكينَ له؛ فالخلافُ سُنَّةٌ في البَشَرِ في حياتِهم، فالأمَّةُ تَتَخَاصَمُ فيما بينَها إن لم تَجِدْ خَصْمًا خارِجَها؛ لهذا شرَعَ اللهُ الجهادَ للانشغالِ بالخَصْمِ الأكبَرِ عنِ الخصوماتِ الفرعيَّةِ بين المسلِمِينَ، وإذا انصرَفَتِ الأُمَّةُ عن قتالِ عدوِّها الأكبرِ وخَصْمِها الأعلى، انشغَلَتْ فيما بينَها بخصوماتٍ أدنى، وكلَّما ترَكَتِ الخصوماتِ ومواضِعَ الخلافِ الأولى، نزلَت إلى الأدنى؛ حتَّى تَنشغِلَ الأمَّةُ بحِزْبيَّاتِ وعَصَبيَّاتِ اللَّوْنِ والنَّسَبِ والبلَدِ، حتَّى يكونَ الخلافُ في أهلِ الحيِّ الواحدِ؛ شرقيُّهُ يُخاصِمُ غربيَّهُ.

وعدمُ شُغْلِ النفوسِ بعدوِّها الأعلى يَدْعُوها للانشغالِ بما دُونَهُ، ثمَّ تضعُفُ ويُصِيبُها الشقاقُ والنفاقُ، ثُمَّ تتفتَّتُ؛ ولهذا وجَبَ الانشغالُ بالغَزْوِ ولو بحديثِ النفسِ؛ لتنشغِلَ النفوسُ بعضُها عن بعضٍ، ولِتَعْمُرَ قلوبُ المسلِمِينَ ولو فِكْرًا بالعدوِّ الأكبَرِ؛ ففي الحديثِ: (مَنْ لم يَغْزُ، أَوْ يُجَهِّزُ غازِيًا، أَوْ يَخْلُفْ غازِيًا فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، أصَابَهُ اللهُ بِقَارِعَةٍ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ)؛ رواهُ أبو داودَ وابنُ ماجه (١).

قال تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: ٣٩].

وفي الحديثِ السابقِ: ما يوافِقُ الآيةَ؛ أنَّ ترْكَ الجهادِ والإنفاقِ عليه هلاكٌ للأُمَّةِ؛ ففي قولِهِ: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، و"أصابَهُ اللهُ بقارِعةٍ" إشارةٌ إلى أنَّ الأُمَّةَ إن لم تجاهِدْ عَدُوَّها، أو لم تُعِنِ المجاهِدَ


(١) أخرجه أبو داود (٢٥٠٣) (٣/ ١٠)، وابن ماجه (٢٧٦٢) (٢/ ٩٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>