للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتركَتْهُ، أهلَكَها اللهُ وأصابَها بقارعةٍ، فيسلِّطُ اللهُ عليها سببًا يُهلِكُها به؛ إمَّا فِتْنةً مِن داخِلِها، أو عدوًّا مِن خارِجِها.

روى ابنُ أبي حاتمٍ؛ مِن حديثِ منصورٍ؛ قال: سَمِعْتُ أبا صالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ يقول فِي قَوْلِ اللهِ: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؛ قالَ: "أَنْفِقْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ لم تَجِدْ إِلَّا مِشْقَصًا" (١).

وروى عنِ الأَعْمَشِ، عن أبي وائِلٍ، عن حُذَيْفةَ، في قَوْلِ اللهِ: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، قَالَ: "يَعْنِي فِي تَرْكِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ" (٢).

وعامَّةُ المفسِّرينَ على هذا التأويلِ؛ كابنِ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمةَ، والحسَنِ، ومجاهِدٍ، وعطاءٍ، وسعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، وأبي صَالِحٍ، والضَّحَّاكِ، والسُّدِّيِّ، ومقاتِلِ بنِ حَيَّانَ، وقَتَادةَ، وغيرِهم.

ويزعُمُ بعضُ الناسِ: أنَّ الآيةَ في عدَمِ الإضرارِ بالنفسِ في أسبابِ المرضِ أو الموتِ؛ كالتعرُّضِ لعدوٍّ، أو تَرْكِ التطبُّبِ، ونحوِ ذلك.

وهذا التعيينُ لمعنى الآيةِ خطأٌ، وإنْ كان هذا المعنى يدخُلُ فيها، لكنَّه ليس مرادًا مِن نزولِ الآيةِ؛ فقد روى أبو إسحاقَ، عنِ البَرَاءِ؛ قال: سألَهُ رجلٌ: أَحْمِلُ على المشرِكِينَ وَحْدِي فيَقْتُلوني؛ أكنتُ أَلْقَيْتُ بيَدِي إلى التَّهْلُكةِ؟ فقال: لا؛ إنَّما التَّهْلُكةُ في النَّفَقَةِ؛ بعَثَ اللهُ رسولَهُ، فقال: ﴿فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ﴾ [النساء: ٨٤] (٣).

وقد صَحَّ عن عَبِيدةَ السَّلْمانِيِّ؛ قال: "هو الرَّجُلُ يُذنِبُ الذَّنْبَ فيَستسلِمُ، يقولُ: لا تَوْبَةَ لي! فيُلقي بيَدِه" (٤).

وذلك أنَّه استدَلَّ بعمومِ الآيةِ، وهذا صحيحٌ، ولكنَّ أوَّلَ ما يدخُلُ في معانيها ما نزَلَتِ الآيةُ لأَجْلِهِ، وهو النفقةُ في سيبلِ اللهِ, والتحذيرُ مِن تَرْكِها.


(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٣٠).
(٢) "تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٣١).
(٣) "تفسير الطبري" (٣/ ٣١٩).
(٤) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>