للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكمُ أخذِ المسلمِ حقَّه مِن دون الحاكم:

وإذا لم يَجِدِ المسلمُ حاكمًا يُنصِفُهُ، فهل له أن يأخُذ حقَّه بنفسِهِ في غيرِ الحدودِ من غيرِ مَفْسَدةٍ؟ في المسألةِ قولانِ، وجمهورُ السَّلَفِ وأكثرُ الفقهاءِ على الجوازِ، روى أبو نُعَيْمٍ في "الحِلْيةِ"، عن قُدامةَ بنِ الهيثمِ، قال: "سألتُ عطاءَ بنَ مَيْسَرةَ الخُرَاسانيَّ، فقلتُ له: لي على رجلٍ حَقٌّ، وقد جَحَدني به، وقد أعْيَا عليَّ البيِّنةُ، أفأَقْتَصُّ مِن مالِهِ؟ قال: أرأيتَ لو وقَعَ بجارِيتِكَ، فعَلِمْتَ، ما كنتَ صانعًا؟ ! " (١)

ولصاحبِ الحقِّ أنْ يأخُذَ حقَّه إذا ظَفِرَ به، ولو لم يَعلَمْ مِن أحدٍ به، قال لهِنْدَ بنتِ عُتْبةَ امرأةِ أبي سُفْيانَ، لمَّا قالت له: إنَّ أبا سُفْيانَ رجلٌ شحيحٌ، لا يُعْطيني مِن النَّفَقةِ ما يَكْفيني ويَكْفي بَنِيَّ إلَّا ما أخَذْتُ مِن مالِهِ بغيرِ عِلْمِه، فهَلْ عليَّ جُنَاحٌ؟ فقال رسولُ اللهِ : (خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ) (٢).

روى عبدُ الرزَّاقِ، وابنُ جريرٍ، وابن أبي حاتمٍ، عن خالدٍ، عنِ ابنِ سِيرِينَ: ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ﴾ [النحل: ١٢٦]؛ يقولُ: "إنْ أخَذَ مِنْكَ رجلٌ شيئًا، فخُذْ مِنهُ مِثلَه" (٣).

وعند عبد الرزَّاقِ وابن جريرٍ عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، قالَ: "إنْ أخَذَ مِنْكَ شيئًا، فخُذْ مِنه مِثلَه" (٤).

وبجوازِ أَخْذِ الحقِّ عدَ الظَّفَرِ به يقولُ أكثرُ العلماءِ، وهو قولُ مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ والثوريِّ وغيرِهم.


(١) "حلية الأولياء" (٥/ ١٩٧).
(٢) أخرجه البخاري (٢٢١١) (٣/ ٧٩)، ومسلم (١٧١٤) (٣/ ١٣٣٨).
(٣) "تفسير عبد الرزاق" (١/ ٣٦١)، و"تفسير الطبري" (١٤/ ٤٠٥ - ٤٠٦)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٧/ ٢٣٠٨).
(٤) "تفسير عبد الرزاق" (١/ ٣٦١)، و"تفسير الطبري" (١٤/ ٤٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>