للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكَرَ اللهُ سبحانَهُ حُكْمَ القتالِ والحاجةَ إليه، وبيَّن حُكْمَ القتالِ في حَرَمِ اللهِ، وهو المكانُ الذي كان يقصدُهُ المسلمونَ للعُمْرةِ، فخَشُوا مِن تربُّصِ المشرِكِينَ وخيانتِهم لهم، فأنزَلَ اللهُ ما سبَقَ مِن حُكْمِ القتالِ في البلدِ الحرامِ، ولمَّا كان ذَهَابُ المؤمِنِينَ إلى مَكَّةَ في الأشهُرِ الحُرُمِ، ناسَبَ ذلك بيانَ اللهِ حُكْمَ ما يجدونَهُ مِن حَرَجٍ في القتالِ في هذه الأشهُرِ.

وفي الآيةِ: إشارةٌ إلى أهمِّيَّةِ العِلْمِ والفَهْمِ قبلَ العمَلِ؛ حتَّى يجتمِعَ الناسُ على حَقٍّ مستقرٍّ سابقٍ؛ فإنَّ مسائلَ الخلافِ في الأحوالِ الحَرِجةِ يَنقسِمُ فيها الناسُ، وربَّما يتَقاتَلُونَ عليها لتأزُّمِ النفوسِ، فكان استقرارُ العلمِ والاجتماعُ عليه - خاصَّةً في المهمَّاتِ كالقِتالِ -: مِن الواجباتِ؛ لهذا جاءَ الحُكْمُ الإلهيُّ ببيانِ القتالِ وحدودِهِ مكانًا وزمانًا.

روى ابنُ جريرٍ، عن أيُّوبَ، عن عِكْرِمةَ، عنِ ابنِ عبَّاسٍ؛ في هذه الآيةِ: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾؛ قال: "أمرَكُمُ اللهُ بالقِصَاصِ، ويأخُدُ منكمُ العُدْوانَ" (١).

وروى عن معاويةَ بنِ صالحٍ، عن عليِّ بنِ أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عباسٍ؛ قولَهُ: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾: "فهذا ونحوُهُ نزَلَ بمَكَّةَ والمسلِمونَ يومئذٍ قليلٌ، وليس لهم سُلْطانٌ يَقْهَرُ المشرِكِينَ، وكان المشرِكُونَ يَتَعاطَوْنَهُمْ بالشَّتْمِ والأذى؛ فأمَرَ اللهُ المسلِمِينَ، مَن يُجازِى منهم أن يُجازِيَ بمثلِ ما أُتِيَ إليه، أو يصبِرَ أو يعفُوَ؛ فهو أمثلُ، فلمَّا هاجَرَ رسولُ اللهِ إلى المدينةِ، وأعَزَّ اللهُ سلطانَهُ، أمَرَ المسلِمِينَ أن ينتَهُوا في مظالمِهم إلى سُلْطانِهم، وألَّا يَعْدُوَ بعضُهم على بعضٍ كأهلِ الجاهليَّةِ" (٢).


(١) "تفسير الطبري" (٣/ ٣٠٨).
(٢) "تفسير الطبري" (٣/ ٣١٠)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (١/ ٣٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>