للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يترُكُ الرجُلُ بِرَّ والدَيْهِ وَيصِلُ بقيَّةَ رَحِمِهِ إلَّا لغيرِ اللهِ؛ لأنَّ برَّ الوالدَيْنِ لا آكَدَ منه في حقوقِ الناسِ.

والمتكبِّرُ المختال الفَخُورُ يمتنعُ عن مُخالَطةِ الضُّعَفاءِ لِعُلُوِّه؛ حتى لا ينتسِبَ إليهم قَرَابةً وصُحْبةً، وَيحبِسُ المالَ عن الصدقةِ والزكاةِ؛ خوفًا على فقدِ مالهِ الذي يرتفِعُ به، فيَنزِلُ مِن أَعْيُنِ الناس، ولو أنفَقَ، أنفَقَ لِيَعْلُوَ ويُذكَرَ ويُحمَدَ.

* * *

قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: ٤٣].

التدرُّجُ في تحريمِ الخَمْرِ:

لم يكُنِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُحِلُّ الخمرَ ولا يتناوَلُهَا قبلَ تحريمِه؛ وإنَّما غايةُ الأمرِ: السكوتُ عنها لسكوتِ اللهِ عنها؛ توطينًا للنفوسِ وتدرُّجًا في التشريعِ؛ وإنَّما كان النبيُّ يتركُهُ؛ لنُفُورِ الفِطَرِ الصحيحةِ عمَّا يُغَيِّبُ العقلَ وَيَجلِبُ السَّفَهَ وسُوءَ التصرُّفِ والهَذَيَانَ، وأصَحُّ الفِطَرِ فِطَرُ الأنبياء، وقد جاء الوحيُ متدرِّجًا مُستصلِحًا للفِطَرِ التي طرَأَ عليها تبديلٌ مِن أعمالِ الجاهليَّة، ولم يكُنْ مَن يشربُ الخمرَ قبلَ تحريمِهِ آثمًا؛ لأنَّ اللهَ لا يُؤاخِذُ أحدًا قبل البلاغِ والبيان، وأوَّلُ ما نزَلَ مِن القرآنِ في الخمرِ هذه الآيةُ؛ إشارةً إلى تطهيرِ العِبادةِ ومَوضِعِها مِن السُّكَارَى، وكأنَّ في الآية ذمًّا وتنقُّصًا لشارِب الخمرِ؛ إذ مُنِعَ مِن قُرْبِ الصلاةِ؛ لفَقْدِ عقلِه وعدمِ إقامتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>