للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والذي يُنفِقُ المالَ وهو يُحِبُّهُ ليس كمَن يُنفِقُهُ وهو زاهدٌ فيه، وبقدرِ حبِّ النفسِ له يعظُمُ أجرُهُ.

وفي "الصحيحَيْنِ"، وغيرِهما؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ : سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أجْرًا؟ قَالَ: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ؛ تَخشَى الفَقْرَ، وَتَأْمُلُ الغِنَى) (١).

أفضلُ الصدقةِ وحكمُ إعطاءِ السائلِ:

وأفضلُ أنواعِ الصدقةِ: الصدقةُ التي يُخرِجُها الإنسانُ وهو مضطَرٌّ محتاجٌ إليها، وهذا هو الإيثارُ؛ قال تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: ٩]، والخَصَاصةُ: الحاجَةُ.

وذكَرَ اللهُ مَن يُنفَقُ عليه، وقدَّم أفْضلَهم وأَوْلَاهم بمالِ الإنسانِ، وهم قرابتُهُ؛ لأنَّ النفقةَ عليه صَدَقةٌ وصِلَةٌ، فيتصدَّقُ ويَصِلُ رحِمَهُ، ويؤلِّفُ قلبَه، ويَسُلُّ سَخِيمَتَه.

وبيَّنَ الله مراتبَهم في مواضعَ؛ كقولِهِ: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ [البقرة: ٢١٥].

وموضعُ الشاهدِ مِن إيرادِ الآيةِ: ذِكْرُ اللهِ للسائِلِينَ فيها، وهو مَنْ يسألُ لفقرِهِ، وفي الآيةِ دليلٌ على أنَّ إعطاءَ السائلِ مِن زكاةِ المالِ مِن غيرِ طلبِ بَيِّنةٍ، مُبْرِئٌ للذِّمَّةِ، ولا يجبُ على الإنسانِ أنْ يسألَ عنه ويتحرَّى مِن الناسِ ما دام أنَّ الأصلَ براءتُهُ، ولا قرينةَ على كَذِبِه، فيُعطَى لمجرَّدِ سؤالِه؛ وذلك لأنَّ الإنسانَ تمنعُهُ نفسُهُ مِن مَدِّ يدِهِ والسؤالِ بلا حاجةٍ؛ فسؤالُهُ بلا حاجةٍ: له تَبِعَةٌ على سُمْعَتِه، وهذا ممَّا يَصُونُ الناسُ أنفسَهم عنه، والنفسُ حَيِيَّةٌ تستحيِي مِن أنْ يظهَرَ ضعفُها وحاجتُها، خاصَّةً عندَ مَن تَعرِفُ.


(١) أخرجه البخاري (١٤١٩) (٢/ ١١٠)، ومسلم (١٠٣٢) (٢/ ٧١٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>