للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ماجَهْ (١)، وابنُ جريرٍ (٢)، وفيه لِينٌ، وسياقُ الآياتِ يدُلُّ عليه، وقد قال اللهُ قبلَ ذلك: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢)} [الأنعام: ٥٢].

وأصلُ القِصَّةِ في مُسلِمٍ؛ مِن حديثِ سعدٍ؛ قال: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ المُشْرِكُونَ لِلنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - اطْرُدْ هَؤُلَاءِ لَا يَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَرَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ، وَبِلَالٌ، وَرَجُلَانِ لَسْتُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفْسِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ أنْ يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ - عز وجل -: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} " (٣).

أثرُ الجاهِ في عدم قبولِ الحقِّ:

وإنَّما طلَبَ كفَّارُ قريشٍ ذلك؛ لأنَّهم يُريدونَ أنْ يَبْقَوْا على منزلتِهم وجَاهِهِم الذي في الجاهليَّة، فيكونوا عليه في الإسلام، وهؤلاءِ إنْ دخَلُوا الإسلامَ على ذلك، عَظُمَتْ فِتْنَتُهم في الإسلامِ وانتكَسُوا وارتَدُّوا؛ لأنَّ الإسلامَ يُساوي بينَ الناسِ في أحكامِهِ وتشريعِه، فإنْ فرَّقَتْهُمْ مَجالِسُ السَّمَرِ، جَمَعَتْهم صفوفُ الصلاةِ والقتالِ والتعليمِ والحدود، ومَن دخَلَ الإسلامَ لِيُرفَعَ به، عامَلَهُ اللهُ بنقيضِ قصدِه، فوضَعَهُ وأذَلَّه؛ ولذا نَهَى اللهُ نبيَّه - صلى الله عليه وسلم - عن التفريقِ بينَ الأشرافِ والضُّعَفاءِ؛ حتى لا يقودَ الأشرافُ الإسلامَ إلى ما يَرتفِعونَ به هم، فيُريدونَ أنْ يُحفَظَ جاهُهم بالإسلام، لا أنْ يُحفَظَ الإسلامُ بجاهِهِم، فمَن حَفِظَ الإسلامَ بجاهِهِ وسُلْطانِه، حفِظ اللهُ


(١) أخرجه ابن ماجه (٤١٢٧).
(٢) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (٩/ ٢٥٩ - ٢٦٠).
(٣) أخرجه مسلم (٢٤١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>