في هذه الآيةِ: دليلٌ على اعتبارِ انتصارِ المؤمنينَ لأنفُسِهم وتَشَفِّيهم مِن عَدُوِّهم، وأنَّ ما في قلوبِهم مِن غيظٍ، وما في نفوسِهم مِن ألمٍ: لهم أن يَنتَصِروا له، لكنَّه يكونُ تابعًا لا أصلًا في ابتداءِ قتالٍ؛ لأنَّ القتالَ لمجرَّدِ التَّشفِّي للنفسِ وإذهابِ الغيظِ مِن القلبِ قتالٌ لغيرِ الله، وهو مِن الحَمِيَّةِ الجاهليَّة، ويَستَثنى مِن ذلك انتقامُ وليِّ الدَّمِ مِن القاتل، في تفصيلٍ محلُّه كتبُ القِصَاصِ.
والمرادُ بالآيةِ: أنَّ اللهَ جعَلَ مرَضَ النفوسِ مِن عدوِّ اللهِ وعدوِّها، وغَيْظَ القلوبِ عليه - بابًا جائزًا لاستعمالِ قُوَّةٍ أشَدَّ، وإنزالِ بأسٍ أعظَمَ فيهم، وجوازِ دعوةِ الإمامِ الجندَ والجيشَ للانتصارِ للهِ ودينِه، ثُمَّ لذلك؛ وذلك أنَّ نفوسَ المؤمنينَ لله، فهي تابِعةٌ في حميَّتِها لدِينِه، ولكنَّها لا تَستقِلُّ عنه، وهو يستقلُّ عنها عندَ مُخالفةِ النفوس له، فما كلُّ ما تُريدُهُ النَّفْسُ: حقًّا؛ فقد تَهْوَى الباطِلَ وهي مؤمِنةٌ.
وأصل القتالِ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ,، ولكن مَن أدرَكَتْهُ الحميَّةُ مِن عدوِّ اللهِ وعدوِّهِ حينَما يَجرَحُهُ أو يَقتُلُ ولَدَهُ أو والِدَه، فيَشتَدُّ عزمُهُ لقتالِ العدوِّ والإثخانِ فبه، فذلك ليس بمذمومٍ؛ لأنَّه ليس إنشاءً للقتال، بل تقويةً له، فقد جعَلَ اللهُ أصلَ إنشاءِ القتالِ له في قولِه: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٣]، وفي الحديثِ:(مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ﷿ (١).