وكان مالكٌ يُخالِفُ قولَ عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ بالرَّبْطِ في المسجدِ، وإنَّما ينبعي أنْ يُؤدَّبَ على ذلك بالسَّجْنِ أو الضربِ، كما ذكَرَهُ ابنُ رشدٍ (١).
وقد تقدَّم الكلامُ على ما جاء في البيعِ بعدَ أذانِ الصلواتِ الخمسِ عندَ قولِهِ تعالى مِن سورةِ النورِ: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ [٣٧].
قيامُ الخطيبِ في الخُطْبةِ:
قولُه تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا﴾، فيه: مشروعيَّةُ قيامِ الخطيبِ في أثناءِ خُطْبتِه، وهو مشروعٌ بالاتِّفاقِ، ويُسَنُّ له الجلوسُ عندَ قيامِ المؤذِّنِ للأذانِ، والجلوسُ بينَ الخُطبتَيْنِ، ولو فصَلَ بينَ الخُطبتَيْنِ، ولكنَّه لم يَجلِسْ، صحَّتْ خُطبتَاه.
وقد اختلَفَ العلماءُ في وجوبِ قيامِ الخطيبِ حالَ خُطْبتِه، وهل تصحُّ منه وهو جالسٌ؟ على روايتَيْنِ عن أحمدَ، والأظهرُ: وجوبُ القيامِ عليه إنْ كان مستطيعًا؛ وهو الذي عليه أكثرُ الفقهاءِ وحُكِيَ الإجماعُ؛ وفيه نظرٌ.
ويسقُطُ الوجوبُ عن الخطيبِ الذي يَعجِزُ عن القيامِ، لِمَرَضٍ أو رهبةٍ مِن الناسِ؛ لأنَّ القيامَ ركنٌ في الصلاةِ ويسقُطُ عندَ العجزِ، وهو أَوْجَبُ مِن القيامِ في خُطْبةِ الجمعةِ؛ فإنْ جاز في الصلاةِ المكتوبةِ القعودُ للعجزِ، فإنَّه في خُطْبةِ الجمعةِ مِن بابِ أَولى.
ولم يخطُبِ النبيُّ ﷺ قاعدًا ولو مرةً حتى لمَّا كَبِرَتْ سِنُّهُ وحَطَمَهُ الناسُ، ومِثلُه أبو بكرٍ وعمرُ وعليٌّ، وقد رَوَى مسلمٌ؛ مِن حديثِ جابرِ بنِ