للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الظَّالِمِينَ﴾ [الأنبياء: ٨٧]، وكحالِ أيوبَ وقد طال مرضُهُ؛ فقال: إنِّي ﴿مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ﴾ [الأنبياء: ٨٣، ٨٤].

والنفوسُ الشحيحةُ لا تُخرِجُ مالَها إلا مع كرهٍ وإلزامٍ، والمؤمِنُ يكتفي بدَفْعِ شُحِّهِ بإيمانِهِ بحقِّ ربِّه عليه، ﴿وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩، والتغابن: ١٦].

الوفاءُ لنذرِ المعصيةِ والطاعةِ:

ومَن نذَرَ طاعةً، وجَبَ عليه الوفاءُ بندرِهِ؛ لقولِهِ : (مَن نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أن يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ) (١)، وقد مدَحَ اللهُ المُوفِينَ بالنذرِ في كتابِهِ، فقال: ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان: ٧]، وقد جاء ذمُّ آخِرِ الزمانِ لكثرةِ النذرِ بلا وفاءٍ فيه؛ كما في الصحيحِ عن عِمرانَ؛ قال: قال : (خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الذينَ يَلُونَهُمْ - قَالَ عِمْرَانُ: لَا أدْرِي: ذَكَرَ ثِنْتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا بَعْدَ قَرْنِهِ - ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ، يَنْذِرُونَ وَلَا يَفونَ) (٢).

وفي قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾:

إبطالُ امرأةِ عمرانَ ليمينِها؛ لأنَّ الوفاءَ بها أصبحَ حرامًا، فهي تطمَعُ في ولدٍ ذَكَرٍ، فولَدَتْ أُنثى، والأنْثى لا تُقِيمُ في دُورِ العبادةِ، فتعتكِفُ وتنقطِعُ وَسَطَ الرجالِ، فتَختلِطُ بهم، والوفاءُ بنذرِ الطاعةِ واجبٌ، وإنَّما أبطَلَتْ نَذرَها؛ لأنَّه لا وفاءَ لنذرٍ في معصيةِ اللهِ، وسببُ المعصيةِ في وفائِها يظهَرُ في كلامِ السلفِ في أمرَيْنِ.


(١) أخرجه البخاري (٦٦٩٦) (٨/ ١٤٢).
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٩٥) (٨/ ١٤١)، ومسلم (٢٥٣٥) (٤/ ١٩٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>