للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢]؛ قال ابنُ عبَّاسِ: "ينفرْ طائفةٌ، وَيمكث طائفةٌ مع النَّبيِّ ، وقال: والماكِثونَ هم الذين يتفقهونَ في الدِّين ويُنذِرون قومَهم إذا رجَعُوا إليهم مِن الغزوِ بما نزَلَ مِن قضاءِ الله وكَتابِهِ وحدودِه"؛ رواهُ ابنُ المُنذِرِ وابنُ أبي حاتمٍ، عن ابن جُرَيجٍ وعثمانَ بنِ عطاءٍ، عن عطاء الخراسانيِّ، عن ابنِ عبَّاسٍ، به (١).

حمايةُ الشريعةِ بالعالِمِ والمجاهِدِ:

وفي هذا: دليلٌ على وجوبِ حِرَاسةِ الشريعةِ مِن داخِلِها بالعلماءِ؛ كوجوب حمايتِها من خارِجِها بالمُجاهِدِينَ، فلِوَسَطِ بُلدانِ المُسلِمينَ ثغُور في عقائدِهم ودينهم يجبُ أن تُحمَى، كما في أطرافِها مِن ثغورٍ بالرِّباطِ والمُجاهَدةِ للأعداءِ، وبحمايتِها تُحمَى الأمةُ؛ مِن داخِلِها: بالعِلمِ والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكَر، ومِن خارِجِها بالجِهادِ والسِّلاح، فيُحمَى دِينُها وعِرْضُها ودمها ومالها وأرضُها.

وكما أن المُجاهِدَ يُرابطُ في ثَغرٍ لا يَقرَبُهُ عدوٌّ أشهرًا أو سنينَ، لا زُهدًا مِن العدوِّ في هذا الثغرِ؛ ولكن تهيُّبًا مِن المرابِطِينَ عليه، فكذلك وجودُ العلماءِ في أرضِ المُسلِمِينَ وشهودهم بها: حمايةٌ تَحمِي مِن المنافق الذي يرِيدُ إظهارَ نِفاقه، ومِن الفاسِقِ الذي يريدُ إظهارَ فِسقه، ولو لم يُظهِرُوا فليس زهدًا منهم في الشرِّ؛ ولكن تهيُّبًا مِن حِراسةِ المرابِطِينَ، وهم العلماءُ.

[الجهاد والنفاق]

ثُمَّ ذكَرَ الله بعدَ ذلك: أَنَّه لا يَتباطَأ عن الجهادِ عندَ قيامِ موجبه وتعيُّنِهِ إلَّا منافقٌ، وبمقدارِ التباطُؤِ يكونُ مقدار النفاق، وأشَدُّ الناسِ نفاقًا


(١) "تفسير ابن المنذر" (٢/ ٧٨٥)، و"تفسير ابن أبي حاتم" (٣/ ٩٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>