للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجلِ الوَثَنَيْنِ، وليس الطوافُ بهما مِن الشعائرِ! قال: فأنزَلَ اللهُ: إنَّهما مِن الشعائرِ: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (١).

الأمرُ بعد الحظْر:

والألفاظُ بعدَ الحظرِ أو الاستثناءِ مِن المنعِ تأتي بصيغةِ الترخيصِ والإذنِ، ويُؤخَذُ الحكمُ علي الحالِ بعدَ رفعِ الحظرِ مِن دليلٍ آخَرَ؛ كما لو قلتَ لِمَنْ خَشِيَ الموتَ جوعًا: "لا بأسَ عليك أنْ تأكُلَ المَيْتةَ"، وأنت تريدُ رفعَ الحظرِ، وإلا فالأكلُ منها لإبقاءِ الحياةِ واجِبٌ؛ ولذا قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]، وقال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [المائدة: ٣].

والمعنى مِن الآيةِ أنَّ الحرَجَ الذي في نفوسِكم يَجِبُ أنْ يُرفَعَ، والإثمَ يجبُ أنْ يزولَ بزوالِ سَبَبِه، وأنَّ اللهَ جعَلَ حُكْمًا جديدًا لهذه الشعيرةِ، أحْيَا به ما بدَّلَه الجاهليُّونَ مِن وضعِ الأوثانِ عليهما، وأعادَ الشعيرةَ، كما كانتْ زمنَ إبراهيمَ الخليلِ ومَن بعدَهُ مِن الأنبياءِ.

روى البخاريُّ ومسلمٌ؛ مِن حديثِ عاصمٍ الأحولِ؛ قال: قلتُ لأنسِ بنِ مالكٍ : أكنتُمْ تَكْرَهُونَ السعيَ بينَ الصَّفَا والمَرْوةِ؟ قال: نَعَمْ؛ لأنَّها كانتْ مِن شعائرِ الجاهليةِ، حتى أنزَلَ اللهُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ (٢).

وروى ابنُ جريرٍ، عن عليِّ بن أبي طَلْحةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ؛ قولَهُ: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾: وذلك أنَّ ناسًا كانوا يتحرَّجونَ أنْ


(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٧١٤).
(٢) أخرجه البخاري (١٦٤٨) (٢/ ١٥٩)، ومسلم (١٣٧٨) (٢/ ٩٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>