للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموضعُ الأولُ: في أشياءَ غيرِ اختياريَّةٍ؛ وذلك كألوانِهم وقبائلِهم وخِلْقتِهم؛ فهذا أعظَمُ عندَ اللَّهِ؛ لأنَّهم لم يَختارُوا هذا الشيءَ لأنفُسِهم؛ وإنَّما اختارَهُ اللَّهُ لهم.

الموضعُ الثاني: في أشياءَ اختياريَّةٍ؛ كلِبَاسِهم وبيوتِهم وعاداتِهم؛ فهذا محرَّمٌ؛ لأنَّه لا يُوجَدُ أُمَّةٌ إلَّا ولها عادةٌ ولِباسٌ يختَلِفُ عن الأُخرى، وكلُّ أمَّةٍ تَرى أنَّها أَمْثَلُ مِن غيرِها في اختيارِها، ولو جاز لأمَّةٍ تعييرُ أمَّةٍ بما اختارتْهُ لنفسِها، لوقَعَ الناسُ بعضُهم في بعضٍ.

ولا يجوزُ السُّخْرِيَّةُ مِن الناسِ حتى وإنْ وقَعُوا في حرامٍ ومعصيةٍ؛ لأنَّ السُّخْرِيَّةُ شيءٌ مذمومٌ لذاتِه؛ لأنَّه يتضمَّنُ علوَّ النَّفْسِ وكِبْرَها، ويجعلُها تَنسى فضلَ ربِّها عليها أنْ وَفَّقَها إلى الخيرِ وحَرَمَ غيرَها، وربَّما تُستدرَجُ حتى تَحِيدَ ولو بسُوءِ القصدِ، فتغترُّ ثمَّ يكونُ عقابُها عندَ اللَّهِ أشَدَّ ممَّن سَخِرَتْ منه، والواجبُ فيمَن وقَعَ في حرامٍ نصحُهُ وأمرُهُ ونهيُهُ بما يُصلِحُه، والشفقةُ عليه لا السُّخْرِيةُ منه، فمَن أضَلَّهُ قادرٌ على أنْ يُضِلَّ غيرَه.

والسَّبُّ والتعييرُ فيه التعزيرُ؛ كلُّ كلمةٍ بحسَبِ معناها وأثرِها في المقصودِ بها، وبمقدارِ انتشارِها بينَ الناسِ، ويقدِّرُ القاضي الضررَ في ذلك، ويُوقِعُ التعزيرَ بمقدارِه.

التعويضُ عن الضررِ المعنويِّ:

وأمَّا التعويضُ المادِّيُّ عن الضررِ المعنويِّ، فمَحَلُّ خلافٍ عندَ الفقهاءِ؛ فقد اختلَفُوا فيمَن وُقِعَ في عِرْضِه أو أُسِيءَ إليه بأيِّ نوعٍ مِن الإساءةِ المعنويَّةِ: هل له أن يُعوَّضَ عنها بالمالِ أو لا؟ في المسألةِ خلافٌ على قولَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>