ذهَبَ جمهورُ العلماءِ: إلى أنَّه لا يُعوَّضُ عن الأضرارِ المعنويَّةِ؛ وإنَّما يُكتفَى بتعزيرِ المُخطِئِ والجاني، وإنِ اقتضَى رفعُ الضررِ المعنويِّ إعلانَ عقوبتِهِ حتى يرتفعَ الضررُ المعنويُّ عن المتضرِّرِ، فيُعلَنُ؛ زجرًا له، ورفعًا للحَرَجِ عن المتضرِّرِ.
وإنَّما منَع الجمهورُ مِن ذلك، لأنَّهم لا يُجيزونَ التعزيرَ بالمالِ، وهذه المسألةُ فرعٌ عن ذلك.
وقال بعضُ الفقهاءِ: بجوازِ التعويضِ بالمالِ؛ وهو قولٌ منسوبٌ لأبي حنيفةَ، ومحمدِ بنِ الحسنِ.
والأضرارُ المعنويَّةُ التي تَلحَقُ الناسَ اليومَ أشَدُّ مِن الأضرارِ المعنويَّةِ السابقةِ؛ وذلك لاختلافِ الوسائلِ، وسُرْعةِ انتشارِ الأقوالِ، وتنوُّعِ وسائلِ ذلك مرئيَّةً ومكتوبةً ومسموعةً، وما يترتَّبُ على ذلك مِن فسادِ تجاراتٍ، وكَسَادِ سِلَعٍ، وتشوُّهِ أعراضٍ، وقد ضَعُفَتِ الدِّيانةُ في الناسِ في ارتكابِ تلك الوسائلِ واتِّخاذِها للإضرارِ بالناسِ، والشريعةُ قد جاءتْ بأصلٍ كما في الحديثِ:(لَا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ)(١)؛ فما كان مِن الأضرارِ التي جَعَلَتِ الشريعةُ فيها العقوبةَ تعزيرًا، فإنَّ دَفْعَ الضررِ بالمالِ فيها جائزٌ، وقد جعَلَتِ الشارعُ أصلَ العقوبةِ بالتعزيرِ موسَّعًا بما يراهُ الحاكمُ مُصلِحًا للحالِ وزاجرًا، فإنْ كان هذا جائزًا ولو بإتلافِ النَّفْسِ بالقتلِ أو القطعِ، فإنَّ أَخْذَ ما دونَ النَّفْسِ كالمالِ مِن بابِ أَولى أظهَرُ بالجوازِ.
* * *
(١) أخرجه أحمد (١/ ٣١٣)، وابن ماجه (٢٣٤١)؛ من حديث ابن عباس.