للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهؤلاءِ وأمثالُهم تَرَكوا الهِجرةَ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، ولم يكونوا هاجَروا إلى الحَبشةِ مِن قبلُ، وبَقوا فيها، فأكرَهَهُمُ المشرِكونَ على الخروجِ معهم إلى بَدرٍ لقتالِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاءِ لا يُعذَرونَ مع قدرتهم على الهِجرة، وقد كانتِ الهجرةُ مِن مكةَ إلى المدينةِ متعيِّنةً على كل قادر بلا خلاف بينَ المسلِمينَ.

وفي دليلِ الخِطَاب منِ هذه الآيةِ: فضلُ الصحابةِ؛ فمِن أعظَمِ أعمالِهم وفضلِهم: تكثيرُهم لسَوَادِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإحاطةِ به، والاجتماعِ حولَه؛ ولذا كان في خبَرِ ابن عبَّاسٍ وصفٌ لِعِلَّةِ ذمِّ مَن لم يُهاجِر ممَّن أسلَمَ: "يكَثرونَ سَوَادَ المشرِكِينَ"؛ فبقاؤهم بينَ ظَهرَانَيهِم تكثير لسَوادِهم، والنبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجةٍ لهذا السَّوَادِ الذي يَنقلهُ كل واردٍ إلى المدينةِ لأقوامِهم، فتكونُ له الشوكةُ والهيبة.

وبعضُ جَهَلَةِ المبتدِعةِ يظُن أن لا فضلَ لصحابيٍّ إلا مَن جاء الدليلُ بفضلِهِ بعَينِه، ويَغفُلُ عن أن من كان في المدينةِ يُحِيط بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وَيمشي في أسواقِها موالِيًا له مُكثِّرًا لسوادِه، يَرَاهُ الوارِدُ إليها، فيذكُرُهُ معَ غيرِهِ لقومِه؛ فإنَّ هذا الشهودَ المجردَ أعظَمُ عندَ اللهِ مِن عبادةِ المتعبِّدينَ ممَّن بعدَهم.

وجوبُ الهِجرةِ:

وقوله تعالى" {ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} حملَ بعض العلماءِ الظلمَ في الآية على الكفرِ؛ كالبَغَوِيِّ (١) والوَاحِدِي (٢)؛ فجَعَلُوا الهِجرةَ مِن مَكَّةَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينةِ شرطًا في الإسلامِ لا يصحُّ إلا بها، ثم نُسِخَ ذلك بعد الفتح.


(١) "تفسير البغوي" (إحياء الترات) (١/ ٦٨٥).
(٢) "التفسير الوسيط" (٢/ ١٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>