وقوله تعالى، ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ دليلَ على وجوبِ القِصاصِ في الجِراحاتِ في أجزاءِ الأعضاءِ مما يُمكِنُ تنفيذ القِصاص فيه مِن غيرِ أنْ يتعدى القِصاص إلى موضع زائد عن مُماثلةِ الجُرحِ المقتَص له، وغالبًا ما تكون القدرةُ على الاستيفاء بالمماثلةِ بما له مَفصِل مِن الجسمِ؛ ولذا يجمِعُ العلماء على القِصاصِ على العضوِ الذي له مَفصِل يُقطَع به كالكف والقَدَم والإصبَع والساقِ ونحوِ هذا، وَيختلفُ العلماء في غيرِ المَفصِلِ؛ خوف أن يَسرِيَ أثر القِصاصِ إلى غيرِ محل الجناية، وهذ سبب تعددِ أقوالِهم في القِصاصِ في بعضِ الأعضاءِ:
فيمنعُ أبو حنيفةَ والشافعي وأحمدُ وغيرُهم القِصَاصَ في جميعِ العِظام، واستثنى بعضُهم السن، والعِلةُ التي لأجلِها منَعوا القِصاصَ في بعضِ أجزاءِ الجسمِ قد تَنتفِي في زمن يتقنُ فيه الأطباء الجِرَاحةَ، وقد يكون عندَ الأطباءِ اليومَ مِن الإتقانِ في القِصاصِ في العِظامِ أعظَم مِن إتقانِ الأطباءِ السابقينَ في المَفاصِلِ التي يجمِعُ العلماءُ على القِصَاصِ فيها، وعلى هذا؛ فما أمكَنَ القِصاصُ فيه في كلّ عضو أو بعضِ عضو مع أمنِ استِشْراءِ الجنايةِ إلى غيرِ المَحَل، فيجب القصَاصُ فيه، وهو الذي ينبغي ألا يحكَى فيه خلاف؛ لانتِفاء العِلةِ التي لأجلِها منَعَ الفقهاءُ مِن القصاصِ في بعضِ مواضعِ البدن، ثم القِصاصُ هو امتثالُ القرآنِ والمساواة في العقوبة، وبه تمام الإنصافِ والعدلِ.