للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوالدِ في ولدِه، على قولِ جمهورِ الفقهاءِ؛ وذلك للحديثِ: (لَا يُقَادُ الوَالِدُ بالوَلَدِ) (١)، ولحديثِ: (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) (٢)، والأولُ أصرَحُ، وبه يقولُ فُقَهاءُ الحِجازِ.

ورُويَ عن عليٍّ: أنَّ الرجُلَ لا يُقادُ بالمرأةِ حتى يدفَعَ أولياؤُها نصفَ الدِّيَةِ لأولياءِ الرجُلِ فيُقتَلَ بها (٣)، وحُكِيَ روايةً عن أحمدَ، وهو ضعيفٌ، وتقدَّمَ تقريرُ أنَّ الدِّيَةَ ليستْ قِيمَةً للنفسِ ذاتِها، فهي ميتةٌ؛ وإنَّما هو جَبْرٌ لأهلِ القتيلِ ممَّا فَقَدُوهُ، وتأديبٌ للقاتلِ؛ فالخصومةُ بينَ الرِّجالِ تكثُرُ وتظهَرُ مقاصدُها، وأمَّا بينَ الرِّجالِ والنِّساءِ فضعيفةٌ؛ لأنَّ الأصلَ عدمُ الالتِقاء والمعامَلةِ إلَّا في المَحارِمِ إلَّا للحاجةِ لغيرِهم؛ ولهذا لا يُتصوَّرُ قتلُ الرجلِ للمرأةِ الأجنبيَّةِ عنه عمدًا عندَ استقامةِ شرائعِ الإسلامِ الأُخرى؛ كتحريم الخَلْوةِ والاختلاط، وأمَّا المرأةُ القريبةُ، فقتلُ القراباتِ نادرٌ، وفي الرجالِ لقراباتِهِمْ مِن النِّساءِ أندَرُ؛ ولهذا جاء التشديدُ والتقييدُ في قولِهِ: {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: ١٧٨].

وأمَّا في قتلِ العَمْد، فيُقادُ الجِنْسانِ بعضُهما ببعضٍ، وقد اقْتَصَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - مِن رجلٍ يهوديِّ رضَخَ رأسَ امرأةٍ بحجارةٍ، وفعَلَ ذلك قِصَاصًا لا تعزيرًا؛ كما في "الصحيحين" (٤).

وقد صحَّ عن عمرَ أنه قتَلَ ثلاثةَ نَفَرٍ مِن أهلِ صنعاءَ بامرأةٍ قتَلُوها عمدًا (٥).

وبه قَضى الخلفاءُ مِن بعدِه، وقولُ عليٍّ في استحقاقِ نِصْفِ الدِّيَة، لا في إسقاطِ الحقِّ بالقَوَدِ.


(١) أخرجه الترمذي (١٤٠٠) (٤/ ١٨).
(٢) أخرجه أحمد (٦٩٠٢) (٢/ ٢٠٤)، وابن ماجه (٢٢٩٢) (٢/ ٧٦٩).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٧٤٨٣) (٥/ ٤١٠).
(٤) أخرجه البخاري (٢٤١٣) (٣/ ١٢١)، ومسلم (١٦٧٢) (٣/ ١٣٠٠).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٧٤٧٩) (٥/ ٤١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>