للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وروى ابنُ جريرٍ الطبريُّ، عن سعيدِ بنِ جُبَيْرٍ ومجاهدٍ قالا: قامَ بعضُهم إلى بعضٍ بالخَناجِرِ يقتُلُ بعضُهم بعضًا، لا يَحِنُّ رجلٌ على رجلٍ قريبٍ ولا بعيدٍ، حتى أَلْوَى موسى بثوبِهِ، فطرَحُوا ما بأيدِيهم، فتكشَّفَ عن سبعينَ ألفَ قتيلٍ، وإنَّ اللهَ أوْحَى إلى موسَى: أن حَسْبِي، فقدِ اكْتَفَيْتُ! فذلكَ حينَ أَلْوَى بثوبِهِ (١).

إقامةُ الحدودِ بالإمامِ ونُوَّابه:

وهؤلاءِ أقامُوا حَدَّ اللهِ على أنفسِهم بأمرِ اللهِ وبلاغِ موسى، وفي هدا إشارةٌ إلى أنَّ حدودَ اللهِ وأحكامَهُ يجوزُ أنْ يُقِيمَها الناسُ فيما بينَهم عندَ تحقُّقِ العدلِ وانتفاءِ الظلمِ والبغيِ، وذلك بأمرِ الإمامِ ومباشَرةِ صاحِبِ الحَقِّ بنفسِهِ بقتلِ قاتِلِ وليِّهِ بإذنِ الإمامِ، وهو صحيحٌ في قولِ جمهورِ العلماءِ؛ لقولِه تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: ٣٣].

ولِمَا روى مسلمٌ في "صحيحِه"؛ مِن حديثِ عَلْقمةَ بنِ وائلٍ؛ أنَّ أباهُ حدَّثَهُ قال: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: (أَقتَلْتَهُ؟ ) - فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ، أَقَمْتُ عَلَيْهِ البَيِّنَةَ - قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ، قَالَ: (كَيْفَ قتَلْتَهُ؟ )، قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَهُوَ نَخْتَبِطُ مِن شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بِالْفَأْسِ عَلَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: (هَلْ لَكَ مِنْ شَيْءٍ تُؤَدِّيهِ عَنْ نَفْسِكَ؟ )، قَالَ: مَا لِي مَالٌ إِلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي، قَالَ: (فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ )، قَالَ: أَنَا أَهْوَنُ عَلَى قَوْمِي مِنْ ذَاكَ، فَرَمَى إِلَيْهِ بِنِسْعَتِهِ، وَقَالَ: (دُونَكَ صَاحِبَكَ)، فَانْطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى، قَالَ


(١) "تفسير الطبري" (١/ ٦٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>