للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبنحوِه قال الشعبيُّ وقتادةُ وسعيدُ بنُ جُبيرٍ والربيعُ والضحَّاكُ (١).

حكمُ النَّذْرِ؟

وفي الآيةِ: جوازُ النذرِ واستحبابُهُ للعبادةِ في شريعتِهم، وفي ظاهرِ الآيةِ: أنَّ امرأةَ عِمرانَ نذَرَتْ بعدَ حَمْلِها؛ طمعًا في الولدِ الذَّكَرِ، وقيل: إنَّها ندَرَتْ قبلَ حملِها؛ طمعًا في الذريَّةِ وأنْ يكونَ ذَكَرًا.

وقد جاءَ النهيُ عن النبيِّ في النذرِ، وقال: (إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيئًا، وَلَكِنَّهُ يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) (٢)، وإنَّما نُهِيَ عن النذرِ؛ لأنَّ الناذرَ يُلزِمُ نفسَهُ بعملٍ صالحٍ إذا رزَقَهُ اللهُ نِعْمَةً، أو كشَفَ عنه نِقْمَةً، وهذا يَحْمِلُه على إساءةِ الظنِّ بربِّه، فيقعُ في النفسِ أنَّ اللهَ لا يُعطِي عَبْدَهُ ويُعافِيهِ إلا إذا تَصَدَّقَ له أو صلَّى وزكَّى وصام ونَحَرَ وغيرَ ذلك مِن العباداتِ، وهذا يُنافي كمالَ ربوبيَّةِ اللهِ لعبادِه ورِزقَهُ للإنسِ والجنِّ وإنْ عصَوْهُ وتكفُّلَهُ برزقِ البهائمِ والذَّرِّ، وحقُّ اللهِ في عبادِه أنْ يعبُدُوه وإنْ حرَمَهم، ولا يعصُوهُ وإنْ وهَبَهم؛ فالعطاءُ يستوجبُ الشكرَ؛ والمنعُ يستوجبُ الصبرَ؛ وكلاهُما يستلزمانِ دوامَ العبادةِ والافتقارِ للهِ.

ويتضمَّنُ النذرُ عجْزَ النفسِ عن التقرُّبِ للهِ طواعيةً إلا بإلزامِ نفسِها بالنذرِ، وحقُّ اللهِ على عبادِه أن يُطاعَ ولا يُعصَى، برِضا النفْسِ وتسليمِها.

وإذا احتاج المؤمِنُ إلى النفعِ ودَفعِ الضُّرِّ فإنه يدْعُو ربَّه ويُلِحُّ في عبادتِه؛ كحالِ نُوحٍ وإبراهيمَ وأَيُّوبَ وموسى وعيسى ومحمدٍ؛ مسَّهُمُ الضُّرُّ، وما ذَكَرَ اللهُ أنَّهم نذَرُوا؛ وإنَّما صبَرُوا ودعَوْا، كحالِ يُونُسَ وهو في بطنِ الحوتِ؛ قال: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ


(١) "تفسير الطبري" (٥/ ٣٣٣، ٣٣٥).
(٢) أخرجه البخاري (٦٦٩٣) (٨/ ١٤١)، ومسلم (١٦٣٩) (٣/ ١٢٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>