ولم يكن ذلك مُعلَنًا؛ حتى لا يَعلَمَ موسى، فيَهْرُبَ وينجوَ مِن ظُلْمِهم، فجاء رجلٌ فأخبَرَ موسى بأمرِهم.
وفي هذا: أنَّه لا حُرْمةَ للأسرارِ إنْ كانتْ تُضِر بمظلومٍ، فيجبُ إفشاؤُها لِمَنْ بُغِيَ عليه ومَن له حقُّ النُّصْرةِ؛ حتى يُدفَعَ الظُّلْمُ عن المظلومِ.
حِفْظُ الأسرارِ وإفشاؤُها:
وقصدُ فرعونَ ومَنْ معه قَتْلَ موسى كان سِرًّا؛ كما في ظاهرِ السياقِ وما يَقتضيهِ الحالُ.
وإفشاءُ الأسرارِ التي تَنطوي على ظُلْمٍ وبغيٍ وحربٍ للَّهِ ومُحَادَّهٍ للَّهِ - واجبٌ، ويدُلُّ على وجوبِه أمرانِ:
الأولُ أنَّ حِفظَ الأسرارِ واجبٌ، ولا يَنتفِضُ الوجوبُ إلَّا بما هو مِثلُهُ أو آكَدُ منه؛ وذلك أنَّ مَنِ اؤْتُمِنَ على شيءٍ، وجَبَ عليه حِفظُهُ وعدمُ الخيانةِ فيه؛ كما ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"، في حديثِ أبي هريرةَ؛ أنَّ رسولَ اللَّهِ ﷺ قال:(آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ)(١).
الثاني: أنَّ دفعَ الظُّلْمِ والبَغي واجبٌ على الكفايةِ، ويتعيَّنُ الدفعُ على مَنْ لا يَقدِرُ عليه إلَّا هو، فمَن عرَفَ سرًّا فيه بغيٌ وظُلْمٌ وعُدْوان على الناسِ في أنفُسهم أو أموالِهم أو أعراضِهم أو دِينِهم، تعيَّنَ عليه دفعُهُ بإفشاءِ ما يَعلَمُ إلى مَن يستطيعُ الاحترازَ مِن ظُلْمِ الظالم وبَغْي الباغي.