والمدينةُ لم تكن مَنْبَتًا للخَضْرَاوَاتِ والفاكهةِ؛ لأرضِها، ولحاجتِها للماءِ، ولحرارةِ جوِّها، إلا في القليلِ يُزرَعُ كالدُّبَّاءِ وشبهِهِ.
وعملُ السلفِ على عدمِ زكاتِها؛ نقَلَهُ التِّرمِذيُّ وغيرُهُ (١)، وهو قولُ جمهورِ الفقهاءِ؛ لأنَّ الخَضْرَاوَاتِ والفاكهةَ لا تُقتاتُ ولا تُدَّخَرُ، بخلافِ الحبوبِ والثِّمارِ؛ كالشعيرِ والتمرِ، فتُدَّخَرُ سِنينَ بلا كَبِيرِ مؤونةٍ، ولا يُنتفَعُ - غالبًا - بالخَضْرَاوَاتِ والفاكِهةِ إلا في زمانِ قَطْفِها وأيامِه، وتفسُدُ إنْ طال وقتُها، فبَيْعُ الحبوبِ والانتفاعُ منها أظهَرُ وأكثَرُ مِن الخَضْرَاوَاتِ، والخضراواتُ أضيَقُ، وفي إيجابِ الزكاةِ فيها إضرارٌ بأصحابِها، إلا مَن كان يَجْعَلُها تجارةً، فتأخُذُ حُكْمَ العروضِ.
ولو ادَّخَرَ الناسُ الخَضْرَاوَاتِ والفاكهةَ في الآلاتِ واتَّخَذُوها قُوتًا، فلا زكاةَ فيها؛ لأنَّهُمْ لا يَدَّخِرُونَها إلا بمؤونةٍ وكُلْفةٍ تختلِفُ عن مؤونةِ الحبوبِ، ولا يُجمَعُ عَلَى أهلِها كُلْفتانِ؛ كُلْفةُ الادِّخارِ، وكُلْفةُ الزَّكاةِ، فيتضرَّرَ الناسُ بذلك.
وأبو حنيفةَ يقولُ بزكاةِ الخَضْرَاوَاتِ، وخالَفَهُ صاحِباهُ.
وقِيلَ بزكاةِ المَعَادنِ والنِّفْطِ والغاز الذي يَنتَفِعُ منه الناس ممَّا يخرُجُ مِن الأرضِ؛ لعمومِ الآيةِ؛ وهذا ظاهِرُ مذهبِ الحنفيَّةِ؛ لقولِهِمْ بالأخذِ بالعمومِ، والقاعِدةُ عندهم أنَّ دليلَ العمومِ يدلُّ على جميعِ أجزائِهِ دَلَالةً قطعيَّةً، والجمهورُ يَجْعَلُونَ دلالةَ العمومِ على جميعِ أجزائِهِ ظنِّيَّةً، وهذا هو الأرجَحُ، ما لم تَحتَفَّ قرائنُ بأحدِ الأجزاءِ، أو يَقُمْ دليلٌ مستقِلٌ أو عملٌ يقوِّي الأخذَ بجزءٍ أو أجزاءِ العمومِ كلِّها.
زكاةُ النَّفْطِ والبترول:
واختلَفَ مَن قال مِن أهلِ العصرِ: بزكاةِ النفطِ والغازِ في مِقْدارِ