للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاستعانةُ بالجنِّ:

وفي قوله تعالى: ﴿وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ تسخيرُ اللَّهِ الجِنَّ لسليمانَ يَأتَمِرُونَ بأمرِه، ويَنتهُونَ بنَهْيِه، وتوعَّدَهم اللَّه إنْ خالَفُوا أمرَ نبيِّه سليمانَ بالعذابِ، وهو الحَرْقُ.

والجِنُّ كالإنسِ خلَقَهُمُ اللَّهُ لعبادتِه، ولكنَّ اللَّهَ جعَلَهُمْ عالَمًا مجهولًا للإنسِ، وجعَلَ الإنسَ عالمًا معلومًا للجنِّ، والأصلُ في تعامُلِ الخَلْقِ فيما ببنَهم الإباحةُ؛ ولكنَّ تعامُلَ الجَانِّ مع الإنسانِ تعامُلُ معلوم مع مجهولٍ بالنسبةِ للإنسانِ، وتعامُلُ معلومٍ مع معلومٍ بالنسبةِ للجانِّ، وبالنظرِ إلى التعامُلِ بالنسبةِ للإنسانِ، وهو المقصودُ هنا، فإنَّ التعامُلَ على نوعَيْنِ:

النوعُ الأولُ: تعامُلٌ عارِضٌ؛ مِن السؤالِ والجوابِ , وردِّ القولِ والاستنطاقِ عندَ المَسِّ والضُّرِّ، والوعظِ والنُّصْحِ، والترهيبِ والترغيبِ؛ فذلك جائزٌ، وقد حادَثَ النبيُّ الجانَّ، واسْمَعَهُمْ كلامَ اللَّهِ، ووعَظَهم وعلَّمَهم؛ لأنَّه رسولٌ إليهم أُرسِلَ إلى الثَّقَلَيْنِ، ولأنَّ النفعَ في ذلك للجانِّ، لا للإنسانِ، فالإنسانُ بادلٌ لا آخِذٌ.

النوعُ الثاني: التعامُلُ الدائمُ؛ كأنْ يَتخِذَ الإنسانُ جِنِّيًّا أو جِنًّا يُحادِثُهم، ويَستخبِرُهم ويُخبِرونَه، ويستعينُ لهم ويُعِينُونَه، ويَسألُهم ويُعطُونَه، فهذا لا يجوز؛ لأمورٍ:

أولًا: لأنَّ الجانَّ مجهولٌ لا يُعرَفُ كفرُهُ مِن إيمانِه، وصِدقُهُ مِن كذبِه، وعِلْمُهُ مِن جهلِه، ومِثلُ هذا التعامُلِ الدائمِ لا يصحُّ أنْ يكونَ مع إنسانٍ هذه حالُه؛ فكيف بجانٍّ؟ ! وإنْ أحازَهُ أحدٌ لنفسِهِ مرةً، فإنَّه لا يُجِيزُهُ لنفسِه مرَّاتٍ، حتى يكونَ تعامُلُهُ معه كتعامُلِ المعروفِ مع المعروفِ مِن الإنسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>