للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقولِهِ: {وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩]؛ حتى نزَلَتْ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: ٤٣]، قال: فكانوا يَدَعُونَها في حينِ الصلاة، وَيَشرَبونَها في غيرِ حينِ الصلاة، حتى نزلَتْ: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}، فقال عمرُ: ضَيْعَةً لَكِ! الْيَوْمَ قُرِنْتِ بِالمَيْسِرِ" (١).

وقولُه تعالى: {وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}: تقدَّمَ الكلامُ على الأَزْلَامِ في أولِ المائدةِ في قولهِ: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ} [٣]، وتقدَّمَ في آلِ عِمْرانَ التفريقُ بينَ الاستِقسام بالأزلامِ وبينَ القُزعةِ عندَ قولِ اللهِ تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: ٤٤].

نوعُ نجاسةِ الخمرِ:

وقولُه: {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، فيه إشارةٌ إلى أنَّ نجاسةَ الخمرِ في معناها، وهو العملُ، لا في عَيْنِها؛ ولذا قال: {مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، والله يُطلِقُ الرِّجْسَ على ما خَبُثَ معناهُ وعملُهُ، لا على ما نَجِسَتْ عينُهُ؛ ومِن ذلك قولُهُ تعالى: {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: ١٢٥]، ونحوُهُ قولُهُ: {وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: ١٠٠]، وقولُهُ تعالى: {قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ} [الأعراف: ٧١]، وقولُهُ تعالى: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ} [التوبة: ٩٥].

ولم يَدُلَّ دليلٌ على تحريمِ مماسَّةِ الكافرِ والمُنافِقِ مع تسميةِ اللهِ له رِجسًا، وإنَّما أراد أفعالَهُمْ؛ ولذا يقولُ تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ


(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٦٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>