للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة: ١٢٥]؛ يعني: خَبَثًا وشرًّا إلى خَبَثِهم وشرَّهم، قد بيَّنَ اللهُ أنه يُريدُ رفعَ الرِّجسِ مِن بيانِ أحكامِه، ومنها: الحجابُ، وقَرَارُ أمَّهاتِ المؤمِنينَ في بُيُوتِهنَّ، وأقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاةِ؛ كما في الأحزاب؛ قال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: ٣٣]، فالرِّجسُ هنا هو خَبَتُ المعاصي ودَنَسُها، والطهارةُ هي طهارةُ الإيمانِ والطاعة، ويعضُدُ ذلك: أنَّ اللهَ قَرَنَ بالخمرِ ما لا كلامَ في عدمِ نجاسةِ عَينِه، وهي الأنصَابُ والأزلَامُ، وقد بَيَّنَ اللهُ أن الأوثانَ رِجسٌ في موضعِ آخَرَ مِن غيرِ ذِكرِ الخمر؛ كما في قولِهِ في الحجِّ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} [الحج: ٣٠].

وقد صحَّ عن الصحابةِ - رضي الله عنه -: أنَّهم أراقُوا الخمرَ في مَجالِسِهِم لمَّا بلَغَهم تحريمَها؛ كما في "الصحيحَينِ"؛ مِن حديثِ أنسٍ - رضي الله عنه -؛ قال: "كُنْتُ قَائِمًا عَلَى الحَيِّ أسقِيهِم، عُمُومَتي وَأَنَا أَصغَرُهُم، الفَضيخَ، فَقِيلَ: حرِّمَتِ الخَمرُ، فَقَالَ: اكْفِئهَا، فَكَفَأنَا" (١).

وفي لفظِ في "الصحيحَينِ"؛ قال أنسٌ: "فَجَرَت فِي سِكَكِ المَدِينَةِ" (٢).

ولو كانت نَجِسَةَ عبنًا، لَمَا أراقُوها في الطُّرُقاتِ.

وأيضًا: لم يأمُرِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أحدًا مِن الصحابةِ بغَسلِ أوَانِيهِم منها، ولا تنظيفِ الأرضِ مِن أثرِها، كما أمَرَ بإراقةِ ذَنُوبِ الماءِ على بَوْلِ الأعرابيِّ في المسجد، وكما نضَحَ بَولَ الغُلَام، وغسَلَ بولَ الجارية، وقد ذهَبَ إلى طهارةِ عيَنِ الخمرِ ونجاسةِ عملِها شربًا وبيعًا وصنعًا: عامَّة الصحابةِ


(١) أخرجه البخاري (٥٦٢٢) (٧/ ١١١)، ومسلم (١١٨٠) (٣/ ١٥٧١).
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٦٤) (٣/ ١٣٢)، ومسلم (١٩٨٠) (٣/ ١٥٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>