للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فضلُ السجود على الركوعِ والقيامِ:

والسجودُ أعظَمُ مِن الركوعِ والقيامِ في الصلاةِ؛ لأنَّ السجودَ أكثرُ تواضُعًا، وأقرَبُ للأرضِ، والعبَادةُ التي يكونُ فيها الانسانُ أكثَرَ تخفِّيًا أفضلُ مِن غيرِها مِن جنسِها ممَّا تكون علانيةً، إلا ما دلَّ عليه الدليلُ؛ فالسجودُ أظهرُ تخفِّيًا ونزولًا إلى الأرضِ، وأشَدُّ انكسارًا وتذلُّلًا واعترافًا بالتقصيرِ، والصوتُ في السجودِ عندَ المناجاةِ أخفَى مِن صوتِ القائمِ والراكعِ.

والسجودُ عبادةٌ مستقلَّةٌ تُشرَعُ بأسبابِها ولو بلا صلاةٍ؛ كسجودِ التلاوةِ والشكرِ - كما في الآيةِ هنا - وظهورِ الآيةِ.

وأمَّا الركوعُ والقيامُ, فليسا بعبادةٍ إلا في الصلاةِ؛ فلا يُشرَعُ للإنسانِ أنْ يركَعَ أو يقومَ متعبِّدًا للهِ بلا صلاةٍ؛ فالقيامُ للعبادةِ بلا صلاةٍ وحدَهُ لا يُشرَعُ؛ بل مُحدَثٌ وبِدْعةٌ، إلا إذا قام لِيَدْعُوَ، فيُشرَعُ القيامُ؛ لاقترانِهِ بالدعاءِ فقطْ، والركوعُ وحدَهُ بلا صلاةٍ بِدْعةٌ وليس بعبادةٍ، ولو مع الذِّكْرِ والتعظيمِ والدعاءِ.

حكمُ القيامِ لغيرِ اللهِ:

ولذا؛ فإنَّ الساجدَ لغيرِ اللهِ يكفُرُ، وأمَّا القائم لغيرِ اللهِ، فلا يكفُرُ، بل يجوزُ أن يكونَ تحيةً وتقديرًا؛ لأنَّ السجودَ عبادةٌ مستقلَّةٌ يظهرُ فيها التعبُّدُ وحدَهُ، بخلافِ القيامِ، وأمَّا الركوعُ، وهو الانحناءُ اليسيرُ ولو تحيَّةً، فهو بدعةٌ لا تجوزُ، وهو تحيةُ العَجَمِ، وليس تحيةَ أهلِ الإسلام، ولا يكفُرُ مَن فعَلَه لغيرِ اللهِ؛ لانَّه ليس بعبادةٍ مستقلَّةٍ بنفسِه، بل لو فعَلَهُ الإنسانُ للهِ بلا صلاةٍ, لَمُنِعَ من ذلك ونُهِيَ عنه، فليس بعبادةٍ مستقلَّةٍ لا للهِ ولا لغيرِه، وإذا نَوَى فاعلُ الركوعِ أو القيامِ عبادةً لغيرِ اللهِ، كفَرَ؛ لنيَّتِه، لا لفعلِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>