للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

* قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: ٥٩].

أمَرَ اللهُ المؤمنينَ بطاعتِهِ وطاعةِ نبيِّه وأُولي الأمرِ.

معنى أُولي الأمرِ، والتلازُمُ بين السلطانِ والعلمِ:

والمرادُ بأُولي الأمرِ: هم العلماءُ؛ لأنَّ اللهَ قَرَنَهُم بالنبيِّ ، ولأنَّ الأصلَ: ألَّا يُطاعَ إلَّا بمعروفٍ، ولا يَعرِفُ المعروفَ ويُنكِرُ المُنكَرَ إلَّا عالمٌ بهما، وقد كان السُّلطانُ والعِلمُ متلازمَين، فأعظَمَ ما كانا تلازُمًا في النبيِّ ، ثُمَّ في أبي بكرٍ فعمرَ فعثمانَ فعليٍّ، وقد كان لا يُوَلَّى أحدٌ ولايةً إلَّا وهو عالمٌ بشأنِها، حتَّى قَلَّ الأخذُ بهذا التلازُمِ وضعُفَ، فانقسَمَتِ الولايةُ بينَ سلطانٍ وعالم، حتَّى رأى كثيرٌ مِن الناسِ عدمَ لزومِ العِلمِ للسُّلْطان، وعدمَ لزومِ الأمرِ ونفوذِهِ للعالِم؛ فقَضَى الحاكمُ بجهلٍ، وانعزَلَ العالِمُ عن الأمر، وإن أمَرَ، لم يُسمَعْ له، فظهَرَتِ الفِتَنُ في النَّاسِ بتسلُّطِ الجاهلِ وإهدارِ أمرِ العالِم، وفِتنةُ الحاكِمِ: جهلُهُ، وفتنةُ العالِمِ: ضياعُ أَمْرِه، ولم يُكمِل بعضُهم بعضًا إلَّا مَن رحِمَ الله، أو ما تستقيمُ له مصالحُهُم، لا مصالحُ الناس، وربَّما حابَى العالِمُ السُّلطانَ فيما يُريدُ، فتأوَّلَ له ليَنالَ أو يحفَظَ جاهًا أو مالًا، وأعطى السلطانُ العالِمَ ما يُريدُ لِيحفَظَ له جاهَهُ وسُلطانَهُ عندَ الناسِ ويُبقِيَ هواهُ شُبهةً وشَهوةً، ولو اجتمَعَ العِلمُ والسُّلطانُ في واحدٍ، لَضعُفت دوافعُ الهوى والطمع، وقُضِيَ بالعدلِ والإنصافِ.

تفسيرُ السلفِ لأُولي الأَمرِ:

وقد كان السلفُ يُفسِّرونَ أُولي الأمرِ بالعلماءِ والفُقهاءِ، وتارةً بالسُّلطانِ الحاكِمِ؛ وهذا مِن التنوُّع؛ لتلازمِ الوصفَيْنِ في عُرْفِهم غالبًا،

<<  <  ج: ص:  >  >>